ماذا تعلم إسرائيل أطفالها في المدارس !. خلال جولة اعتيادية لي علي بعض المواقع الإليكترونية استرعي انتباهي صورة طفلة.. ربما في السادسة أو السابعة من عمرها.. منهمكة في كتاب شيء .. ليس في ورقة أو علي سبورة أو علي جدار حائط.. بل علي صاروخ.. تأملت في مفردات الصورة ..لم يكن صاروخا واحدا ..بل حشدا من الصواريخ ..وأكثر من امرأة وبضعة أطفال ..قرأت ماهو مكتوب أسفل الصورة ..طفلة إسرائيلية تبعث برسالة إلي الأطفال العرب علي صاروخ! .. وكما يبدو هي رحلة مدرسية ..ليس إلي مصنع أو منتجع أو معلم سياحي ..بل إلي قاعدة صواريخ ! .. هكذا هي الرحلات المدرسية في إسرائيل ..مقصدها المفضل القواعد العسكرية ! وماذا يمكن أن تتضمن رسالة الطفلة الإسرائيلية لأطفال فلسطين ..؟ واسمحوا لي أن أخمن .. مثلا : إلي الجحيم أيها العرب اللصوص ..! أو هذا مصيركم أيها العرب الإرهابيون! أو الموت لكم أيها العرب المتخلفون! وهل يمكن أن تطفح تلك القلوب الصغيرة المعبئة بمشاعر الكراهية غير عبارات القتل والانتقام! منذ عدة سنوات كتب أحد الصحفيين عن رسومات تلاميذ مدرسة إسرائيلية خلال حصة رسم حرة ..وقد أذهله طفح تلك الأنامل الصغيرة ..رسوم تظهر العرب والفلسطينيين بصفة خاصة قتلة وارهابيين ومصاصي دماء! الكراهية الممنهجة ومن أين لهؤلاء الأطفال الصغار بكل هذه الكراهية ؟ مناهج التعليم ..حيث ثمة حرص لدي الساسة الإسرائيليين أيا كانت انتماءاتهم الحزبية علي أن تترعرع الأجيال الجديدة علي كراهية العرب.. وحين قيل لوزير التعليم الإسرائيلي الأسبق زبولون هامر ان مثل هذه السياسات تمثل عائقا أمام تحقيق السلام مع العرب رد قائلا "السلام مع العرب يهدد إسرائيل المهزوزة ويستلزم تحصين الناشئة بتقوية الوعي الصهيوني"! وتحصين الناشئة وتقوية الوعي الصهيوني لايتم إلا بحشو قلوب الصغار بالكراهية ..كراهية كل ما هو فلسطيني وعربي واسلامي. وفي كتابه المهم"الصراع الإسرائيلي في كتب التاريخ المدرسية الإسرائيلية" يؤكد الباحث الإسرائيلي ايلي بوديه أن تلك الرؤية "المنحرفة" ساهمت في منع السلام مع العرب. وكتاب بوديه الصادر عام 2006 يمثل شهادة فاضحة تعري ترسانة الكراهية التي تحشدها السلطات الإسرائيلية في المناهج المدرسية لتضخها في عقول الصغار ..فيتحولون بدورهم إلي قنابل مضادة لأي جهد يبذل لتحقيق السلام. وبقدر كبير من الإحساس بالمرارة يقول بوديه: إن الكتب المدرسية الإسرائيلية في مناهج التاريخ سعت لشيطنة العرب وتجريدهم من إنسانيتهم .. مما أدي إلي ترسيخ صورة نمطية لدي الإسرائيليين الذين ظهروا دائما بصورة الغربيين المتحضرين صانعي السلام مقابل صورة العرب "الخونة العدوانيين المتخلفين والمجرمين والخاطفين القذرين والمبادرين دوما نحو التدمير". ويوجه الباحث اتهاما صريحا للمسئولين الإسرائيليين بأنهم أفرطوا في استخدام تدريس مناهج التاريخ لتشكيل ذاكرة الأمة الجمعية ودعمها ..ويقول : جهاز التعليم تمت تعبئته وشحنه بمهمة تحديد المعلومات التي يجب علي التلميذ أن يتذكرها وتنقيتها, وليس أقل أهمية .. مما يتوجب أن ينساها كذلك" وبحث بوديه يتناول المناهج العبرية في مادة التاريخ المقررة علي التلاميذ اليهود منذ عام 1920.وحتي عام 2000 حيث قسمها إلي ثلاث مراحل ..و ينتهي إلي أن هذه المناهج خلال المرحلتين الأولي والثانية كانت تركز علي تعميق القيم الصهيونية ورعاية الأساطير والتمجيد بأبطالها ضمن صهر المهاجرين في بوتقة وذاكرة جماعية واحدة. إلا أن هذه المناهج قد شهدت شيئا من التحسن عقب حربي 1967و1973 مع توقيع اتفاقية السلام مع مصر وازدياد ثقة إسرائيل بذاتهاوبأمنها.. إضافة إلي رواج توجهات أكثر ليبرالية في أوساط الأكاديميين والمثقفين. ماذا حدث؟ فإن كان الحال كذلك فمن أين يستمد الأطفال الإسرائيليون الآن مداد الكراهية التي يكتبون به رسائلهم للأطفال العرب ؟ الاجابة نجدها لدي الباحث أنطوان شلحت محرر الشئون الإسرائيلية الذي أشار في مقدمته لكتاب بوديه إلي أن السنوات التي تلت العام 2000 قد شهدت انكفاء في التطور الإيجابي وصعودا يمينيا متطرفا إلي رأس هرم جهاز التعليم في إسرائيل بعد تسلم ليمور لفنات من حزب الليكود حقيبة التعليم. ويهدف اليمين المتطرف الذي يسيطر علي غرف صناعة القرار في إسرائيل حاليا أن يجعل من كراهية العرب تفكيرا نمطيا للعقل الإسرائيلي .. وهذا ما تنبه اليه الباحثة الإسرائيلية البروفسورة نوريت بيليد في دراسة لها حول الروح العنصرية التي تنضح بها مناهج التعليم في المدارس اليهودية حيث تقول: ان الأبرتهايد الإسرائيلي ليس سلسلة قوانين عنصرية فحسب، وإنما هي طريقة تفكير بشأن العرب! أدب الكراهية وتعليم الكراهية ليس قاصرا فقط علي المناهج المدرسية بل يمتد أيضا إلي الأدب ..ادب الأطفال تحديدا ..وهذا ما استرعي انتباه العشرات من الباحثين ..من بينهم الدكتورة لطيفة النجار حيث تتعرض في مقال لها بصحيفة البيان الاماراتية "عدد 7 يونية 2006 " لبعض النماذج التي تقطر كراهية ودما مثل قصة للكاتب الإسرائيلي ليوري إيفانز عنوانها المحارب القديم .. وهي قصة محارب انشقت عنه الأرض فخرج منها تأكيدًا لمقولة إنّ فلسطين هي أرض "إسرائيل" وأن العرب هم الذين اغتصبوها.. تبدأ القصة بهذا الحوار: قالت لي الصغيرة: من الذي سرق القمر؟ قلت: العرب. قالت: ماذا يفعلون به؟ قلت: يعلقونه علي جدران بيوتهم. قالت: ونحن؟ قلت: نحوله إلي مصابيح صغيرة تضيء أرض إسرائيل كلها.. منذ ذلك الوقت والصغيرة تحلم بالقمر، وتكره العرب لأنهم سرقوا حلمها وحلم آبائها.. وتكتمل القصة بخروج المحارب القديم الذي يقاتل العرب وينتصر عليهم ويعيد القمر .. ولكنه يقتل علي يد واحد منهم ..إلا أن الأميرة لم تبك فقد تحقق حلمها، وأشرق القمر من جديد علي أرض إسرائيل، كما تورد الدكتورة لطيفة نصا شعريا ينضح كالقصة ..ككل المناهج المدرسية دما وكراهية ..والقصيدة عنوانها حكاية ..وهاهي : زئيف طفل صغير.. لم يكبر بعد ..عاش علي هذه الأرض.. أحبها.. وحين حاصر الغزاة هذه المدينة.. مات ..كيف مات؟ ..لا أحد يدري ..هل مات من الجوع؟ ..أم تحت التعذيب ..برمح طائش؟ ..أم تحت سنابك الخيل؟ ..لا أحد يعرف/ لكن هل تريدون أن تموتوا مثل زئيف؟ ..لا.. إذن صوبوا بنادقكم تجاه العرب. ويقدم هازي لابين أحد أشهر كتاب "أدب الطفل " في إسرائيل تفسيرا لماذا هو يكتب هكذا.. وتفسيره في الحقيقة الغثيان ..يقول لابين: كنت أسأل نفسي باستمرار ماذا يمكن أن أقرأ لو كنت طفلاً أعيش مثل هذا الواقع؟ نحن نعيش في زمن صراع مع العرب.. نعيش فيما يمكن أن نطلق عليه حقول الدم.. لهذا نجد أنّ من واجبنا أن نبتعد عن كتابة القصص الجميلة التي تتحدث عن الفراشات والزهور أو زيت الزيتون النقي. إنّ هذا سيوقعنا في كارثة نحن في غني عنها... هذا تضليل لا يمكن أن نسمح به، إنني أريد أن أخلق الجيل الذي ينتقم لي ويأخذ بثأري. وهذا الجيل هو مئات الآلاف من القراء الأطفال الذين يتهافتون علي قراءة كتبي! ماذا نفعل ؟ فماذا يتعين علينا أن نفعل ؟ .. في منتصف ديسمبر من العام الماضي اصدرت المنظمة الاسلامية للتربية والعلوم والثقافة "إيسيسكو" بيانا استنكرت فيه مضامين المناهج في المدارس الإسرائيلية من موضوعات تحض علي كراهية العرب واحتقارهم وتشويههم بشكل مريع ..أيسيسكو دعت أيضا في بيانها منظمة اليونسكو لممارسة الضغوط علي إسرائيل لاجراء تعديلات علي مناهجها بما يتفق وقيم السلام والتعايش وقبول الآخر التي تتبناها المنظمة أهذا يكفي ..؟ بل وتحويلها إلي قضية عالمية: المناهج الدراسية في دولة تدعي أنها متحضرة تحض علي كراهية شعب آخر إلي حد التحريض علي إبادته .. ألا يمكن أن تتكاتف منظمات المجتمع المدني في العالم العربي لتنظيم عدة مؤتمرات وندوات في العواصم الأوربية تعري النزعة العدوانية للدولة اليهودية من خلال تسليط الضوء علي تلك المناهج ..؟ ولن يبخل علينا أصدقاؤنا في الغرب من مثقفين وسياسيين ونشطاء حقوقيين بدعمهم ومساندتهم ..فالكثير هناك -علي ضفتي الأطلنطي - يرون إسرائيل الآن كما نراها.. الدولة المعادية للسلام ..! حتي عقد أو عقدين كان كل من يتجاسر علي مهاجمة إسرائيل يساق إلي ساحات القضاء ومن الممكن جدا أن يدان بتهمة معاداة السامية ..الآن تغير الوضع ولو قليلا .. الآن يطفح الشارع الغربي بالسخط علي إسرائيل ويراها دولة معادية للسلام. ومثل هذه المؤتمرات التي ينبغي أن تكون جزءا من استراتيجية لتعرية إسرائيل في العالم تنظمها جامعة الدول العربية سوف تجد من ينصت إلي ما يقال فيها عن حقيقة أكثر الدول عنصرية في العالم! المهم أن نبدأ