مثلما ظهر سوق المواد الغذائية التي تحمل اسم صيامي للمسيحيين المقيمين في الدول الاسلامية, ظهر وازدهر سوق الحلال علي مستوي العالم للمسلمين الذين يرغبون في تحري تعاليم الاسلام في مأكلهم ومشربهم. وبفضل هذه السوق تمكنت فرنسا علي سبيل المثال من تجاوز عثرتها الاقتصادية التي بلغت ذروتها في شهر رمضان من العام الماضي, حيث بلغت نسبة المبيعات من سوق الحلال خلال شهر رمضان فقط(400) مليون يورو. تشير مجلة التايم الأمريكية إلي أن سوق الحلال لا تقتصر فقط علي اللحوم, بل تشمل( شامبانيا) بدون كحوليات و( فواجرا) حلال وكذلك الروائح والمساكن وأيضا الفيتامينات والمواد الغذائية والبيتزا والبسكوت وغذاء الأطفال, وتبلغ استثمارات مختلف قطاعات هذا السوق(1000) مليار دولار طبقا لما ذكرته المجلة الأمريكية. وتشير المجلة كذلك إلي أن هناك شركات عالمية دخلت هذا السوق بقوة مثل( كارفور) و( نسله) وهناك شركات أخري جديدة نشأت خصيصا لتلك المواد الغذائية مثل( دنيا) و( مدينة), وأن المنافسة أصبحت شديدة إلي الحد الذي سيعيد توزيع أوراق اقتصاديات العديد من الدول, وأن ما شجعهم علي دخول تلك السوق هو أن هناك1,6 مليار مسلم في العالم وأغلبهم شباب ويحرصون علي احياء الدين في دنياهم. ومن جانبها, أشارت صحيفة لوموند الفرنسية أن سوق الغذاء الحلال ورقة رابحة بالنسبة للاقتصاد الفرنسي ولن تستطيع فرنسا الاستغناء عنه, وبالتالي فإن المستهلكين المسلمين فرصة بالنسبة للاقتصاد الفرنسي أيضا, وليس أدل علي ذلك من أن أحد أشهر المطاعم الفرنسية( كويك) استطاع أن ينجو من الافلاس بفضل تغيير نشاطه إلي مطعم لبيع المنتجات الحلال, هذا بالاضافة إلي أن مزارعي فرنسا أصبحوا ينتظرون بشغف مجيء عيد الأضحي كي تزداد مبيعاتهم من الخراف التي يذبحونها للمسلمين هناك في تلك المناسبة الدينية. وأضافت الصحيفة الفرنسية نقلا عن وكالة( اكوفاين) المتخصصة في عالم الاقتصاد والمال أنه في رمضان عام2011, كتب للاقتصاد الفرنسي عمر جديد بفضل المواد الغذائية الحلال, حيث كان الاقتصاد الفرنسي يعاني في تلك الفترة, ولكن بفضل المبيعات من تلك المواد الغذائية التي بلغت(400) مليون يورو خلال شهر رمضان فقط تمكن الاقتصاد الفرنسي من استرداد عافيته من جديد. ومن جانبها تشير صحيفة لوفيجارو الفرنسية إلي أن هناك شخصا من بين كل عشرة أشخاص في العالم يتحري أكل مواد غذائية حلال, وذلك طبقا لما أكدته دراسة صادرة عن معهد( بروميس كونسلتنج). وتحت عنوان: سوق الحلال يخرج إلي النور في فرنسا, أشارت صحيفة لو فيجارو الفرنسية إلي أنه يوجد في أوروبا وحدها(17) مليون مستهلك للمنتجات الحلال, وفي فرنسا وحدها يوجد أكثر من خمسة مليون مستهلك, وأنفقوا في عام2010 حوالي5,5 مليار يورو, وتشهد هذه السوق رواجا غير مسبوق طبقا لما ذكره( أنطوان بونيل) مدير معرض حلال باريس الذي أغلق أبوابه في أبريل الماضي. ولكي تحصل هذه الشركة أو تلك علي شهادة دخول منتجها ضمن سوق الحلال, فيجب أن تقدم عينه من هذا المنتج إلي الجمعية الاسلامية التي وضعت معايير وضوابط محددة لدخول هذا السوق, ومنها خلو المنتج من لحم الخنزير أو الكحوليات أو أي شيء ينهي عنه الإسلام, ويجب علي الشركة أن تستوفي تلك الشروط إذا ما أرادت أن تدخل سوق الحلال. وبدأت فكرة هذا السوق في الثمانينيات في فرنسا, وبالتحديد في المناطق ذات الكثافة السكانية المسلمة وخاصة المغربية, وخلال تلك المرحلة اقتصر الأمر علي الذبح الحلال. ثم دخلت, في التسعينيات, شركة( كارفور) علي استحياء هذه السوق ببعض منتجات البقالة البسيطة, ثم عرضت بعد ذلك مجموعة شركات( كازينو) لحومها الحلال والتي تحمل علامة تجارية تسمي وسيلة. وعن أسباب اقبال المسلمين علي تلك المواد الغذائية الحلال, ترجع الدورية الشهرية الفرنسية( كابيتال) السبب في ذلك إلي وجود رغبة شديدة لدي المسلمين للعودة لدينهم الحنيف والتمسك بتعليمه, وأن أغلب المسلمين المقيمين في فرنسا من جيل الشباب, وأغلبهم وإن كان حريصا علي الزواج من فتاة فرنسية إلا أنه حريص في نفس الوقت علي التمسك بتعاليمه دينه وتجنب نواهيه. ويري( أنطوان بونيل) مدير معرض حلال باريس الذي أغلق أبوابه في ابريل الماضي أن سوق الحلال تتجاوز السوق الإثني إلي سوق الجماعة وأن الأمر يعني الكثير بالنسبة لمسلمي فرنسا ومسلمي العالم, فالمسلمون يريدون الاستهلاك علي الطريقة الفرنسية ولكن بالمعايير الحلال التي يقتضيها الدين الإسلامي. علي الجانب الآخر, عقد مؤخرا المنتدي العالمي لصناعة الحلال في الرابع والخامس من أبريل الماضي في مركز مؤتمرات( كوالمبور) بالعاصمة ماليزيا, وهي تعد أكبر دولة منتجة لهذا النوع من المواد الغذائية الحلال في العالم وذلك بفضل موقعها بين عدة دول إسلامية كبري. وجاء هذا المنتدي تحت عنوان: نحو اقتصاد حلال: القيمة في الاقتصاد العالمي وقد حضره أكثر من(900) مدير تجاري وصناعي ومسئول حكومي من مختلف الدول وذلك من أجل تحسين دمج تلك الصناعة المزدهرة والواعدة في النظام الاقتصادي. وطبقا للمكتب الاعلامي الرسمي, فإن استثمارات الحلال في المواد الغذائية فقط علي مستوي العالم عام2011 تقدر ب(661) مليار دولار, وأن نسبة الزيادة التي يشهدها هذا القطاع تبلغ(15%) سنويا وأن نصيب الاستثمارات الاوروبية تصل إلي(70) مليار دولار. ويقول رئيس تحرير صحيفة حلال في كوالالمبور أن ما جعل هذه الصناعة تشهد هذا التقدم الكبير هو اننا لا نتحدث عن حقيبة من ماركة( جوتشي) ولكن نتحدث عن الغذاء الحلال, أي عن علاقة الإنسان بربه. ويختم فينسان جيزر, باحث في الشئون الاسلامية وحاليا في معهد الشرق الأوسط في بيروت بقوله اننا بصدد امبراطورية الحلال الآخذة في الازدهار وليس النمو فقط, ولعل السبب في ذلك يرجع إلي رغبة المهاجرين في أسلمة حياتهم وأن النزعة الدينية آخذة في الازدياد لديهم.. وحتي المسلم غير الملتزم يحرص علي تحري الحلال والحرام في مأكله ومشربه.