تنبيء تحركات الرئيس محمد مرسي علي الصعيد الدولي والإقليمي, عن انبعاث جديد للسياسة الخارجية المصرية, علي اعتبار أن تصاعد السياسة الخارجية, يؤدي إلي رفع مكانة مصر وبالتالي تزداد قدرتها علي التأثير في المحيط الإقليمي والدولي, وهو ما ينعكس علي تنمية القوة الذاتية للاقتصاد المصري. ولاشك أن زيارة الرئيس مرسي إلي السعودية, ثم مشاركته في مؤتمر أثيوبيا, إنما تعكس تعطش مصر إلي إحياء هذا الدور التاريخي الهام والمثمر علي كل الصعد, ولأن الملف الفلسطيني, يتميز عن أي ملف آخر, فقد استحوذ علي اهتمام مصري لامحدود. علي اعتبار أن الخطر دائما ما يأتي من البوابة الشرقية لمصر, لذلك تعد فلسطين عمقا استراتيجيا في إطار الأمن القومي المصري. من هنا نجد أن الملف الفلسطيني بشعبتيه,( المصالحة, والعلاقة مع الاحتلال), يستحوذ علي اهتمام المخابرات المصرية, التي حرصت علي متابعة جميع المفاوضات الفلسطينية مع الاحتلال, ثم التهدئة, ثم صفقة الجندي شاليط. وبقدر هذه الجهود المضنية للمخابرات, فقد تضاعفت جهودها في جولات الحوار الفلسطينية العقيمة. والحقيقة أن السبب ليس مصر, بل إن المسئول الأول والأخير عن ذلك هم الفلسطينيون لأن قرار المصالحة يجب أن يكون ذاتيا, ومع إدراكنا أن الكل الفلسطيني مخطيء في حق القضية, ولكن! لا يتساوي الطرفان الفلسطينيان في حجم الخطأ!, حتي وإن كان الأمر كذلك!, فإن الذي مازال يصر علي التهرب من تنفيذ المصالحة, إنما سيدفع ثمن ذلك كثيرا, إذ لا فائدة من الصعود فوق الثلوج. وعود علي بدء, إن عبء المسئولية السياسية التي علي عاتق مصر تجاه القضية الفلسطينية, يجعلها تتحرك إلي لملمة البيت الفلسطيني, وقد دأبت مصر وبإجماع عربي علي إنجاز المصالحة. لذلك يراقب الشعب الفلسطيني بجميع ألوانه, اللقاءات المنفردة التي أجراها الرئيس المصري مؤخرا مع الرئيس الفلسطيني من جهة, ووفد حماس من جهة أخري, بالإضافة إلي لقائه المرتقب مع وفد حماس القادم من غزة, وهي لقاءات محمودة, وبغض النظر عن مدي تحقق الفائدة منها, فإنها تشي بأن الرئاسة المصرية, ستتخذ سياسة مغايرة تماما لما كانت عليه سابقا, فهي المرة الاولي التي يستقبل فيها رئيس مصر مسئولين من حماس, طبعا نحن لا نتحدث عن هدف اللقاء, بل تحويل مجري اللقاءات من مستوي أمني إلي مستوي رئاسي, إنما هي مسألة في غاية الأهمية. ولأن الرئيس مرسي مازال في طور الاستماع, فإن الموقف الحالي لمصر ضبابي, مع التأكيد بأنه سيقف علي مسافة واحدة من الطرفين.. لكن! وللأسف الفجوة واسعة جدا بينهما, فالجميع يصر علي صوابية موقفه, وأنا كمراقب أصر علي خطأ الموقفين, فالمفاوضات أصبحت غير ذات جدوي, والمقاومة باتت شعارات وأوهاما تتداعي للراغبين بالبحث عن مجد علي حساب الشعب الفلسطيني. فلا الرئيس ابو مازن بات مقتنعا بالمفاوضات رغم إصراره عليها, ولا حماس باتت تطلق طلقة واحدة نحو الاحتلال, رغم شعاراتها الرنانة عن المقاومة. في مقابل ذلك تزداد التحديات التي تواجه القضية الفلسطينية صعوبة, فالاستيطان يلتهم الأرض, والتهويد يطارد المدينة المقدسة, بينما تعاني الدول العربية من التمزق والثورات الداخلية وتداخل المصالح فيما بينها مما أثر بالكاد علي موقع القضية الفلسطينية من الاهتمام العالمي. والواضح أن الرئيس المصري بقدر ما يحاول الإبحار في مواجهة التحديات الداخلية لدي مصر, وكذلك الاهتمام بالشأن الخارجي؟, فإنه أمام تحد كبير في مواجهة, الانقسام الفلسطيني؟, فثمة أولا: موقف الرئيس أبو مازن, حيث قال: علي ماذا نتحاور ونحن متفقون!, ويقصد أن كل شيء تم الاتفاق عليه ويجب البدء الفوري ودون إبطاء بتطبيق المصالحة, لكن السيد مشعل يبرر موقف حركته: أن هناك بعض الإشكالات, ووجود تدخلات خارجية: ويطالب بتهيئة الأجواء لتنفيذ المصالحة, وللحقيقة ان موقف مشعل هذا, مثير للجدل؟.. فالتهرب من تطبيق المصالحة, يا أخ أبو الوليد, ليس بسبب إشكالات أو تدخلات كما يقال بين الحين والآخر, وإنما بسبب عدم وجود نوايا صادقة؟, فقد تباطأت حماس في تطبيق المصالحة انتظارا لنتائج الانتخابات المصرية!, اعتقادا منها أن نجاح مرشح الإخوان سيعزز مكانتها؟, ولكن ليست هكذا تدار الأمور؟ لأن الرئيس يعي أن الانحياز لأي من الأطراف الفلسطينية, سينعكس علي مكانة مصر, ثم أنه سيؤثر علي مشروع الاعتدال الإسلامي المتصاعد؟.. فكلنا يعرف ان غزة تحت سيطرة حماس, بينما يحلو لإسرائيل الإبقاء علي حالة الانقسام, ثم جر مصر إلي تحمل المسئولية الأمنية فيها, في حين تحرص حماس علي بقاء حكمها, حتي لو علي حساب المصالح الوطنية الفلسطينية, وإزاء هذه المخاطر الأمنية والسياسية لمستقبل القضية الفلسطينية, والأمن القومي المصري, والذي سيزيد من التوتر علي الجبهة الشرقية لمصر, فإن الرئيس مرسي مطالب أن يتخذ موقفا حازما ضد الطرف المعطل أيا كان؟. لأن ذلك قبل أن يكون تلاعبا بمشاعر الشعب الفلسطيني, فضلا عن أنه ضرر بالقضية الفلسطينية!, فإنه استهتار بمكانة مصر ودورها في المنطقة؟, لذلك يجب أن لا يتهاون في تطبيقها!, وسيجد الشعب الفلسطيني كله, بالإضافة إلي الشعب المصري ومن خلفه الأمة العربية داعمين لموقفه.