ينتظر الرئيس محمد مرسي الكثير من الملفات الساخنة علي الصعيد الخارجي, وخصوصا مايتعلق بفلسطين فأولا وعلي الصعيد القيمي والأخلاقي مصر دائما وأبدا ظلت تقف إلي جانب الشعب العربي الفلسطيني منذ عهد الأسرة الفرعونية الثامنة عشرة, وتحديدا في العام1690 ق.م عندما طردوا الهكسوس وأعوانهم من العبرانيين ولاحقوهم حتي قضوا علي وجودهم في فلسطين. وفي الحقيقة, يواجه الرئيس المصري معضلتين كبيرتين تخصان فلسطين,أما المعضلة الأولي: وهي الصراع مع الاحتلال الإسرائيلي, وماذا يمكن أن يفعل أمام تعنت حكومة الاحتلال واستمرارها في تهويد القدس ومصادرة الأرض والقصف اليومي والوحشي الغادر للشعب الفلسطيني الأعزل؟ ثم الاستمرار في اختطاف آلاف الأسري الفلسطينيين؟ في ظل عملية سلمية ولدت ميتة بفعل الاحتلال؟..أما المعضلة الثانية التي يواجهها الرئيس مرسي: فهي قضية المصالحة الفلسطينية بين فتح وحماس: إن أسوأ ما في الأمر هنا هو أن يبقي أبناء الشعب الواحد في صراع مستمر علي سلطة مازالت في حقيقتها سلطة ناقصة, فضلا عن أنها تقع تحت الاحتلال بجميع أشكاله القمعية من ناحية, وتواجه حصارا بربريا من ناحية أخري. وبالتالي فإن الصراع الفئوي من أساسه لامبرر له. والمعروف أن مصر, منذ البداية, وقفت علي مسافة واحدة مع جميع الإخوة الفرقاء, وأبدعت في تقريب وجهات النظر, لإنجاز ملف المصالحة بأسرع وقت ممكن! لكن مازالت المصالحة لم تكتمل وربما جميعنا يعرف الأسباب والدوافع أو المبررات, التي تحول دون تطبيقها وتتسبب في تعثرها, ودون الحاجة الي تفسير مواقف كل طرف, فإن الإنقسام الفلسطيني الأسود, لايروق لشعب فلسطين ولا للأمة العربية, ويجب بتره من صفحات التاريخ الفلسطيني المكتوب بدماء الشهداء. إن الشاغل السياسي الان أصبح يتمحور في الإجابة عن هذا السؤال وهو: كيف يلتئم الشمل وتعود غزة لحضن الوطن؟..في الوقت الذي أصبحت ثقافة التخوين هي اللغة السائدة وتبادل الاتهامات بتعطيل المصالحة والتهرب من تنفيذها, والتربص لأخطاء الآخر...إن المعطل لعملية المصالحة أصبح معروفا للجميع! والرئيس المصري في الأيام الماضية أعلن في غير مرة وقوفه علي مسافة واحدة من الإخوة الفرقاء, هذا شيء طيب وممتاز جدا.. لقد جري الكثير من الحوارات والجولات, في العديد من العواصم العربية والدولية وفي كل مرة يتم الإتفاق علي ما اتفق عليه في السابق ويتبادل الجميع التهاني؟ وفي اليوم التالي تتعري النوايا..إن الحديث عن هذا الموضوع أصبح مقززا, إذ يتهرب الجميع من مواجهة الطرف المعطل, وقد أمرنا الله سبحانه بقوله:( وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما, فإن بغت إحداهما علي الأخري فقاتلوا التي تبغي حتي تفيء إلي أمر الله) صدق الله العظيم, وهنا لا أجدني محرجا من توجيه العتاب للإخوة في حماس, إذا كان تعطيل المصالحة بسبب التنسيق الأمني مع الاحتلال, أو أن الاعتقال السياسي في الضفة هو السبب الرئيسي؟ فلماذا وقعتم علي المصالحة وأنتم تعلمون ذلك مسبقا؟ كما أنكم تعتقلون أبناء فتح وتمارسون القمع بالتوازي من رام الله؟.ولا يفوتني أيضا أن أهمس في أذن السيد الرئيس أبو مازن: متي ستشكل حكومة المستقلين التي إتفق عليها مع الأخ خالد مشعل؟..إن عليه أن يتشاور ويبدأ في التشكيل, وينهي دوامة المغالطات والاتهامات!..إذ أن تشكيل الحكومة حسب الاتفاق سيكشف العقبة الحقيقية, لأن هذه الحكومة منوط بها تسلم إدارة السلطة في رام اللهوغزة معا. لقد أصبح واضحا سبب كل هذا التأخر في التوقيع علي ورقة المصالحة, ثم المماطلة في تنفيذ بنود الاتفاق, ثم التسويف والتحريف في البنود نفسها ثم الإبطاء والتأجيل, ووضع العراقيل والعقبات التي من شأنها إبتزاز الخصوم وإشعال الفتنة من جديد, فعلا الأمر هنا معقد؟ والرئيس المصري الجديد, كان الله في عونه ورث حملا سياسيا كبيرا وملفات عالقة يتحتم عليه إغلاقها نهائيا. المعروف أن السيد الرئيس د. محمد مرسي كان عضوا في جماعة الإخوان المسلمين, وهو ما يعني أنه أمام تحد كبير في إنهاء الانقسام, والتحدي الحقيقي هنا: هو كيف سيكون التعامل مع حركة حماس؟ هل باعتبارها امتدادا لجماعة الإخوان المسلمين في فلسطين؟ أم سيقف علي مسافة واحدة ويمارس ضغوطه علي الجميع حتي تكتمل أركان المصالحة الفلسطينية! هذا ماستكشف عنه الأيام القادمة!, وأتمني علي الرئيس المصري الإسراع في إنجاز هذا الملف الأسود في التاريخ الفلسطيني وممارسة الضغط عن الطرف المعطل, كي يتسني الالتفات والتركيز علي إدارة ملف الصراع مع الاحتلال بحنكة واقتدار ضمن رؤية وتصور كامل وإعادة صياغة لجميع قضايا الصراع علي أرضية وطنية عربية جديدة, تضمن استرداد جميع الأراضي العربية المحتلة, واستعادة الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني. ودون ذلك سيظل الانقسام والاحتلال عقبتين أساسيتين في طريق الرئيس المصري, لنصرة ومساندة فلسطين وشعبها في إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة.