قام المصريون بثورة رائعة وخرج الشعب إلي الشوارع والميادين يريد إسقاط النظام ويدين ممارسات الظلم والقهر والاستبداد, يرفض تزوير الإرادة كما يرفض سوء الإدارة. صعدت روح خير الشباب إلي السماء فداء الوطن وسقطت رؤوس النظام إلي الحضيض موصومين بخيانة الوطن. وبات الناس يحلمون بدولة عصرية ديمقراطية, دستورها متوازن يؤسس نظام الحكم ويوضح أصول التعاملات وحدود السلطات, وصار الناس يتمنون دولة حديثة تشريعها عادل يحفظ الحقوق ويبين الواجبات ويحقق العدالة الاجتماعية, وظل الناس يتطلعون إلي دولة قوية رئيسها راشد عاقل يعمل علي تحسين أحوال العيش, ويحمي الحرية ويحافظ علي الكرامة الإنسانية. مرت فترة انتقالية كبيسة وتحول الحلم الجميل إلي كابوس ثقيل, فلقد وجد الناس انفسهم في وسط جولة ثانية من انتخابات رئاسية تجري بين طرفين لم يخترهما ثلاثة أرباع المسموح لهم بالاقتراع في الجولة الأولي( بين ممتنع أو من صوت لغيرهم). وتصارع المرشحان لرئاسة الجمهورية علي استقطاب المصريين الباحثين عن حلمهم في العدل والكرامة, فحاول البعض تصوير تلك الانتخابات وكأنها استفتاء بين دولة دينية ودولة مدنية, وصورها البعض الآخر وكأنها اختيار بين الثورة وأعداء الثورة, بينما الحقيقة المؤسفة أنها غير هذا وذاك, فما طرح أمام الناخبين هو اختيار بين الدولة الدينية والدولة العسكرية القمعية, ولم يعد هناك مكان لحلم الثورة أو الدولة المدنية في الجولة الثانيةمن انتخابات رئيس الجمهورية, فأحس الكثيرون وكأن هذه الانتخابات لا تخصهم, وأحجم الناخبون عن التوجه إلي صناديق الاقتراع من الأساس أو قصدوا إبطال أصواتهم في رسالة سلبية إلي الحاكم الجديد قبل وصوله إلي سدة الحكم. وتحول الحلم إلي كابوس عبثي حين شهد الناس اقتتال علي تشكيل اللجنة التأسيسية للدستور, ورصدوا ممارسات من أهل القانون انتهكت القانون, وذهلوا لقرار صادر من حماة العدل يهدد المدنيين ويمنح حق الضبطية القضائية للأجهزة العسكرية. دعنا نستخلص بصيص الضوء من براثن الكابوس المظلم, ونخلص بدروس الحكمة المستفادة من قلب الأزمة, لعلها تهدينا الي الحل. * أول الدروس أن العلم والخبرة هو الحل, ليتنا استمعنا إلي أهل الخبرة والحكمة, فكم من قائل بمجلس رئاسي يدير المرحلة الانتقالية, وكم من مناد بالدستور أولا, ولكن شهوة السلطة واللهفة علي المغانم والأنانية المفرطة تغلبت علي قيمة الإيثار وإنكار الذات, وصار حب الظهور أهم عند الكثيرين وأبقي من المصلحة الوطنية فطربنا لهتافنا وأقصينا أفضل من فينا وانقلب المشهد علي رأس الجميع. * ثانيها أن التنظيم هو الحل, فقد رأينا التنافس علي الرئاسة ينحصر بين القوتين الأكثر تنظيما, والأغني بالمال, ومن أسف أن التنظيم امتد للتأثير بالشعار الديني والتبشير بالجنة هنا, أو استثمار مناخ الخوف والقلق, والوعد بالأمان والاستقرار في الأرض هناك, بينما افتقد الأبناء الشرعيون للميدان أي قدرة تنظيمية لتوصيل أفكارهم وشعاراتهم التي لم يبلوروها, فضاع جهدهم في الهتاف والتظاهر ولم يلتفتوا للتخطيط والعمل. * ثالثها أن الصدق والأمانة هو الحل, والحديث عن تدخلات رسمية أو شبه رسمية للتأثير علي الناخبين يثير القلق, والاستخدام الكثيف للمال السياسي واستغلال حاجة البسطاء من الناس يدعو للأسف, وتخويف الناس بأزمات حقيقية أو مفتعلة يطرح من رصيد كل من قام به. المثير أن محاولات التزييف والخداع ارتدت إلي نحر قائلها يوم بلغ السخف مداه حين تقرأ أن عناصر خارجية هي التي اقتحمت السجون وأطلقت سراح المساجين, وينتفي شرف الخصومة تماما حين تسمع أن القناصة قتلة الثوار هم من بين شباب الإخوان المسلمين!! * رابعها الاتحاد هو الحل, فكثيرا ما استمعنا إلي قصة الأسد وثيران الغابة, ورددوا علي مسامعنا المقولة المشهورة أكلنا يوم أكل الثور الأبيض, ويبدو أن البعض نسي الحكاية, وأدار ظهره للثيران كلها, أو لعله تصور واهما أنه تحول إلي أسد! والدرس المستفاد أن التشرذم هو طريق الهلاك والانفراد بالأمر خسارة مؤكدة وحين انفرط عقد الميدان عن صورته الثورية الأولي, وعجز الثوار عن التوحد أو حتي عن التلاقي علي برنامج مشترك, واجه بعضهم بعضا في الانتخابات, بدلا من أن يواجهوا أعداء ثورتهم متحدين, وبمرشح واحد تتقاطع عنده مصالحهم المشتركة وخسر الجميع. * خامسها أن استقلال القضاء هو الحل, فهو الحصن المنيع الباقي, لو اهتزت الثقة فيه لاهتزت قيمة العدل, وتاريخنا زاخر بقضاة شوامخ أرسوا الحق والعدل وفضحوا التزوير ورفضوا التسييس. أتعجب من هذا القدر من التعالي الذي تلمسه في حديث البعض وكأنهم يتصورون أن حكم العباد والبلاد هو حقهم الإلهي والتاريخي, هؤلاء أعجبتهم كثرتهم, وأولئك أعجبتهم قوتهم, ألا يدركون أن الدنيا دوارة!! ستنتفض الأمة وينزاح الكابوس, ويتحقق الحلم الجميل بخبرة العلماء, وقيمة الصدق والعدل وتوحد الصف وتنظيم العمل. وستقوم دولة الشباب عظيمة فتية بهية, للشباب سينحاز الزمن والتاريخ.