شاءت الأقدار، أن يموت المؤلف، قبل أن يري كتابه الجديد، الصادر بعد رحيله، هل كان لابد، من موت الكاتب، حتي يُولد واحد آخر من مؤلفاته؟! نزل الكاتب إلي أعماق التراب.. أغلقوا التربة، عليه، جيدا، حتي لايهرب، من نومه الأخير، ويجري ملفوفاً بالكفن، صارخا، في وجه الشمس: أود أن أحيا.. منادياً، في يأس، عدالة ينشدها.. وآذاناً تنصت بجدية إلي حقائق، هو وحده الذي يعرفها.. وأبي أن تموت معه، تحت التراب. أُغلق التراب الصامت الأسود، علي الكاتب.. لكن كتابه استلاب الحرية باسم الدين والأخلاق، فُتح ليقرأه العالم الماشي فوق التراب، رغم الكذب.. رغم إخفاء الحقيقة.. رغم توقف القلب. د.محمد فتوح، الذي اختار - رغم عشرات المجلات والجرائد - مجلة روزاليوسف، لتكون حاضنة، لمقالاته التنويرية ورؤاه في التغيير، وأفكاره الجريئة، المتمردة، غير المتناغمة، مع غالبية العقول من النساء، والرجال، ولأنه دارس الفلسفة والموسيقي وكان يمارس الغناء والتلحين، فقد جاءت رؤاه، كالموسيقي ساحرة، ومثل الفلسفة محلقة. استلاب الحرية باسم الدين والأخلاق.. عنوان، كتاب د.محمد فتوح، الذي مات العام الماضي، إثر عملية زرع كبد، وهو مازال في زهرة الشباب، وقمة الأحلام، والرغبة في العطاء. إنه عنوان مصر الآن. عنوان بليغ، مختصر، يصور أحوالنا، ويرسم صورة لا تحتاج إلي تعليق.. الحرية فعلا.. لا تستلب إلا باسم الدين، والأخلاق. ودوما يختار د. محمد عناوين شيقة وشائكة. مثلا.. كتابه الشيوخ المودرن وصناعة التطرف الديني.. أمركة العالم.. أسلمة العالم مَنْ الضحية.. فصل الدين عن الدولة هو الحل.. الاعتقال داخل الموروثات الثقافية.. وغيرها. ثم جاء آخر العنقود، استلاب الحرية باسم الدين والأخلاق. يكتب د.محمد فتوح في كتابه الأخير ماذا ننتظر لاستصدار قانون بنقل الأعضاء من الموتي؟ إن عدم صدور هذا القانون، أدي إلي الإتجار بالأعضاء، ونتيجة الفقر المدقع الذي يعيشه الكثير من المصريين، يلجأ البعض إلي بيع أحد أعضائه ليحصل علي مبلغ من المال لبعض الوقت.. هل ننتظر حتي يهلك الكثير، فيموتون بسبب التباطؤ في إصدار القانون؟ لقد سبقتنا دول كثيرة ولاتوجد لديها مخاوف مثل التي عندنا بسبب الضوابط الدقيقة والتخطيط لكل صغيرة وكبيرة. وفي مقاله مأزق الدولة المدنية ذات المرجعية الدينية يكتب د.محمد: هذه الصيغة، تفرق ولا توحد، وتثير العداوات، والفتن بين أفراد الوطن الواحد.. إن صيغة الدولة المدنية، هي الكفيلة بتحقيق المساواة بين أفراد المجتمع، مهما اختلفت الديانة أو الجنس، لأنها تقوم علي أساس المواطنة، وهي التي ستكفل للمرأة نصف المجتمع، حقوقها كاملة.. وهي التي تحول دون رجم مَنْ يعملون بالفكر والإبداع، بالتهم المعدة سلفاً من محاكم التفتيش الدينية، ومن سطوة رجال الدين. هل حقا، يمكن أن تتحقق أحد كبري أحلام د.محمد فتوح، وتصبح مجتمعاتنا منزوعة السلطة الدينية، والفتاوي الدينية، والاتهامات الدينية؟! من أقوي المقالات، وأجملها، التي قرأتها في هذا الكتاب الممتع، جريمة ختان العقل في الصحف الدينية. يقول د.محمد: الصحف الدينية التي أصبحت بأعداد لا حصر لها، وبتمويل لا حصر له، مثل الأحزاب الدينية، والمدارس الدينية، وغيرها من الأنشطة الدينية، هدفها النهائي، هو خلق، أو التمهيد، لزراعة الدولة الدينية، وإشاعة اللغة الدينية في كل مجال، وتهيئة الجو، لسيادة المرجعيات الدينية.. ثم يتساءل: لمَنْ تعمل المطبوعات الدينية؟ ولمصلحة مَنْ، تنشر كل يوم باسم جديد وثوب جديد وختان للعقل والاستنارة؟! وتتوالي مقالات، كتاب د.محمد فتوح، استلاب الحرية باسم الدين والأخلاق.. منها علي سبيل المثال لا الحصر.. الذكور المتحرشون بالنساء من صناعتنا.. تركيا تدافع عن دستورها العلماني جلاء الكابوس الإخواني عن أرض مصر.. حزب الله.. ترس في الآلة الدينية العسكرية.. رئيسة جمهورية في الهند، وميس حجاب في مصر. الاقتتال بين فتح وحماس.. لا حصاد إلا الخجل. احتلال الإسلام الأفغاني ل مصر. ويجئ مقاله الانتحار صرخة احتجاج ضد الحضارة العالمية.. آخر مقال في قائمة المحتويات. وهو أيضا - يا لسخرية الأقدار - آخر مقال نشره، في مجلة روزاليوسف - 6 سبتمبر 2008 وهو علي فراش الموت، حيث مات 13 أكتوبر .2008 الشيء الفريد من نوعه، ليس فقط ظهور، هذا الكتاب، بعد موت كاتبه.. ولكن أيضا، لأن الكتاب يحتوي علي تفاصيل موت د.محمد فتوح، كما كتبها هو شخصيا وأرسلت إلي النائب العام، يشكو من الإهمال الجسيم الذي أدي إلي تدهور صحته، وبقائه في المستشفي 4 أشهر ونصف الشهر، وتم إرسال بلاغه الأحد 12/10/2008 بالبريد السريع.. وفي الكتاب، نسخة من إيصال إرسال البريد السريع. وصل البلاغ إلي النائب العام، اليوم التالي مباشرة أي الاثنين 13 أكتوبر 2008أي في يوم، موت د.محمد فتوح. وقد تفضل مشكورا النائب العام، بتحويل البلاغ إلي النيابة المختصة لإجراء التحقيقات الواردة، في بلاغ د.محمد فتوح. بعد سنة وشهرين، من موت د.محمد فتوح، لم تتم أي تحقيقات ضد المستشفي الذي يشكوه د.محمد ب 23 بندا من الإهمال الجسيم ؟! ولم يتم سماع الشهود، التي طالبت بأخذ أقوالها، ك شاهد عيان.. حفظت الأوراق، ودون تحقيق - أغلفت القضية وحفظت. أهذه، هي العدالة في مصر، البلد المعروف، ب قضائه النزيه، الذي لا يسكت عن الظلم؟! أهذا هو العدل في الوطن؟! - من بستان قصائدي وسادتي هي صديقتي الوحيدة لها وحدها أفشي بأسراري وهي أول من يقرأ أشعاري