تبدو مصر خلال الأيام الجارية أمام لحظة تاريخية فارقة, فها هي تشهد أول انتخابات تعددية حقيقية في تاريخها الحديث,شارك فيها ثلاثة عشر مرشحا رئاسيا, يمثلون مختلف التيارات الفكرية والسياسية. وهاهم الملايين حتي وإن راوحت الأعداد مكانها,مابين نصف عدد الناخبين الذين يحق لهم الذهاب الي الصناديق للاقتراع, أو يقل عن تلك النسبة قليلا, فالمحصلة النهائية أن ملايين زحفوا للإدلاء بأصواتهم في ظل أجواء لم تخل من تجاذبات حادة ومثيرة. ربما يكفي للانتخابات الجارية التي سوف تدخل بعد أسبوعين جولة ثانية, أن كثيرا من استطلاعات الرأي علي قلتها وحياديتها في الوقت ذاته, لم تتمكن حتي اللحظات الأخيرة من تحديد هوية الرئيس الجديد, وهو الأمر الذي من شأنه أن يضيف الكثير الي التجربة الديمقراطية الجديدة في مصر, برغم ماقد يأخذه كثيرون عليها من مثالب, إذ ان ماشاهدناه وتابعناه علي مدار الأيام الأخيرة يظل سبقا في حد ذاته, فها هي المرة الأولي التي تشهد فيها البلاد انتخابات رئاسية لايعرف فيها أحد الي أين سوف تنتهي, ومن هو الرجل الذي سوف يصل في نهاية السباق الي قصر العروبة, كأول حاكم لمصر تأتي به صناديق الاقتراع بعد انتخابات تعددية حقيقية. المؤكد أن يوم الاربعاء الماضي سوف يظل يوما فارقا في تاريخ مصر الحديث, إذ ظل مثل هذا اليوم علي مدار أكثر من نصف قرن أو يزيد قليلا يرواح مكانه, مابين الاستفتاء الشعبي الذي دائما ما كانت تنتهي نتائجه بنسبة الثلاث تسعات الشهيرة, قبل أن يتحول الي مايشبه تجديد البيعة عندما قرر الرئيس السابق حسني مبارك, لسبب يعلمه الكافة الآن, البدء في خطوات شكلية نحو الانتخابات التعددية, وأن لم تبرح هذه الخطوة حدود الشكل, ليحصد في الانتخابات الأولي التي أجريت في العام2005 مايقارب النسبة التاريخية الشهيرة,بعد سباق تمثيلي خلق وراءه كثيرا من الضحايا,هؤلاء الذين صدقوا قبل أن يشاركوا في اللعبة, أن صناديق الانتخابات يمكن أن تغير من الواقع,في بلد لم يعرف معني مثل هذه الكلمة أو دلالاتها علي مدار عقود من الزمان. الان أصبح للصناديق كلمة, مع كامل الاعتذار للشيخ يعقوب, وجملته التي اطلقها عقب استفتاء مارس من العام الماضي ثم صارت مثلا يتندر به الملايين, رغم أن الرجل لم يخطيء وإن اختلفت المقاصد فيما رمي اليه, فهاهي الصناديق تقول كلمتها, وها هي تنتقل بمصر بغض النظر عن النتائج الي اليات ديمقراطية حقيقية يجب أن يحترمها الجميع, حتي لو جاءت النتائج علي غير الهوي. لا أحد يعرف في مصر علي وجه اليقين اليوم ولا غدا ولا حتي بعد غد,ما الذي يمكن أن تنتهي اليه هذه الانتخابات, ومن الذي يمكن أن يحسم السباق بالضربة القاضية الفنية, فالمفاجآت تظل واردة في أي لحظة, وهي سوف تستمر حتي إعلان النتيجة النهائية في يونيو المقبل, وربما لحين اداء الرئيس الجديد لليمين الدستورية وتسلم مهام عمله في القصر الجمهوري,فما قبل ذلك كله لايعدو أكثر من مجرد اجراءات أو خطوات تمهيدية علي طريق الجمهورية الثالثة, وحتي هذه اللحظة التاريخية لايجب أن ينسي الجميع في مصر, لا اليوم ولا غدا ولا حتي بعد مائة عام, تلك الدماء الذكية التي جرت في الشوارع والميادين, لتفتح للجميع علي اختلاف انتماءاتهم الفكرية والعقائدية أبواب الحرية. [email protected]