اطاحت ازمة الديون السيادية التي تعصف منذ أكثر من عامين كاملين بمنطقة اليورو ذات السبع عشرة دولة بحكومات ورؤساء احدي عشرة دولة أوروبية كان اخرها كرسي الرئيس الفرنسي نيكوي ساركوزلا. وفيما يلي نظرة شاملة علي هذا المشهد السياسي الأوروبي الذي لم يسبق له مثيل منذ عقود طويلة. أيرلندا في فبراير2011 عوقب حزب فيانا فيل الحاكم بزعامة رئيس الوزراء السابق بريان كوين في الانتخابات البرلمانية, وجاء إلي السلطة رئيس وزراء جديد هو انداكيني. والحكومة الجديدة هي ائتلاف يضم حزب فاين جايل المحافظ وحزب العمال, وتبلغ قيمة الديون السيادية المستحقة علي الدولة أكثر من مائة وعشرين مليارا ونصف المليار يورو. البرتغال منيت الحكومة الاشتراكية بزعامة جوزيه سوكراتس بهزيمة في الانتخابات البرلمانية التي جرت في شهر يونيو من عام2011 وذلك في مواجهة الازمة الاقتصادية الحادة التي تعانيها البلاد, لكن الحكومة الجديدة بزعامة رئيس الوزراء المحافظ بيدروباسوس كويلهو تتعرض لضغوط هي الأخري, ومازالت البرتغال تشكل واحدة من اضعف الحلقات الاقتصادية لمنطقة اليورو.. وتبلغ قيمة الديون السيادية المستحقة علي البرتغال مائة وثلاثة وخمسين مليار يورو. إيطاليا: في نوفمبر من عام2011 استقال رئيس الوزراء سيلفيو برلسكوني, بعد نضال طويل بأغلبية ضئيلة في البرلمان وملاحقة فضائح جنسية وقضايا فساد له, إلي جانب الضغوط الهائلة من الاسواق المالية والتفكك في معسكره في نهاية المطاف لم يكن امام برلسكوني خيار اخر سوي الاستقالة, ويقود مفوض الاتحاد الأوروبي السابق ماريو مونتي حكومة انتقالية بالبلاد, وتبلغ قيمة الديون السيادية المستحقة علي البلاد نحو تريليوني يورو. اليونان تخلي رئيس الوزراء جورج بابانديرو وهو من حزب باسوك الاشتراكي عن قيادتة البلاد في نهاية عام2011 وخلفه في المنصب نائب رئيس البنك المركزي الأوروبي السابق لوكاس باباديموس, وبعد فترة وجيزة, وافق وزراء مالية منطقة اليورو علي قروض انقاذ مالية طارئة للدولة اليونانية, وهي القروض التي كانت اليونان ستعلن افلاسها بدونها, ومع هذا فان الانتخابات التي جرت قبل ايام في البلاد تركت الوضع السياسي في البلاد يتسم بالغموض الشديد مما يجعل استمرار خطط الانقاذ المالي الأوروبية في مهب الريح, وتبلغ قيمة الديون السيادية المستحقة علي اليونان نحو ثلاثمائة وخمسين مليار يورو. إسبانيا اثرت ازمة الديون السيادية التي تعصف بالبلاد بعد انهيار اسعار المساكن فيها.. اثرت هذه الازمة بصورة كبيرة علي نتائج الانتخابات البرلمانية.. التي جرت في نوفمبر من2011 وفاز حزب الشعب المحافظ, بينما عاني الاشتراكيون الذين حكموا البلاد لأكثر من سبع سنوات من هزيمة مهينة, ويشغل ماريانو راخوي, زعيم حزب الشعب, منصب رئيس الوزراء حاليا خلفا للاشتراكي خوسية لويس رودر ثاباتيرو, وتبلغ قيمة الديون السيادية المستحقة علي الحكومة الاسبانية نحو سبعمائة وستة مليارات يورو. سلوفاكيا واجهت رئيسة الوزراء ايفيتا راديكوفا, من الحزب المسيحي الديمقراطي, أول تصويت برلماني في اكتوبر من2011 بشأن توسيع في آلية الاستقرار المالي الأوروبي, بتصويت بالثقة وخسرته, ثم فاز الديمقراطيون الاشتراكيون بانتخابات برلمانية مبكرة, وتولي زعيمهم روبرت فيكو رئاسة الوزراء. سلوفينيا تتولي حكومة يمين الوسط بزعامة يانيز يانسا مقاليد السلطة في البلاد بعد فشل الحكومة السابقة في الحد من تصاعد الدين الحكومي, ويتعين علي سلوفينيا, تحت حكم يانسا, التحكم في الموازنة العامة للبلاد التي تعاني من عجز كبير. هولندا اسقط الزعيم اليمني الشعبوي خيرت فيلدرز حكومة الاقلية من خلال اثارة جدل بشأن تدابير التقشف الاقتصادي في البلاد. واضطر رئيس الوزراء المنتمي ليمين الوسط مارك روته إلي تقديم استقالة حكومته, ومن المقرر إجراء انتخابات جديدة بالبلاد, وتبلغ قيمة الدين العام في هولندا ثلاثمائة واربعة وسبعين مليار يورو. فرنسا شكلت الازمة الاقتصادية عاملا حاسما في انتخابات الرئاسة الفرنسية, اذ جاء التصويت كما يري مراقبون عقابيا ضد السياسة الاقتصادية للرئيس نيكولا ساركوزي التي اتجهت نحو مزيد من التقشف والمساس بالضمان الاجتماعي وتسريح العمال, لكن هذا يعني في المقابل ان فرانسوا اولاند الرئيس الفرنسي الجديد امام اختبار صعب لمواجهة تركة اقتصادية ثقيلة, بدءا بتقليص عجز الموازنة وخفض الديون وتحفيز النمو وقبل هذا وذاك طمأنة الفرنسيين علي وظائفهم وعلي اوضاعهم الاجتماعية, وتبلغ قيمة الديون السيادية المستحقة علي فرنسا اكثر من تريليون وسبعمائة مليار يورو. انتقادات.. انتقادات انتقادات وقد وجه مسئولون بالاتحاد الأوروبي انتقادا حادا لليونان وللدول أخري التي حدثت فيها هذه النوعية من التغييرات السياسية والتي تتلقي برامج انقاذ للخروج من ازمة الديون السيادية التي تعصف باقتصاداتها. وأوضح خوسيه مانويل باروسو رئيس المفوضية الأوروبية ان الدول المتلقية لبرامج الانقاذ تواجه شبح الافلاس المالي وان البديل في هذا الصدد يتمثل في مواصلة إجراءات الترشيد والتقشف الاقتصادي والمالية والاصلاحات الهيكلية لتحقيق القدرة علي المنافسة ولتنفيذ الاستثمارات المستهدفة علي حد تعبيره. ويأتي تصريح باروسو في ضوء نتائج الانتخابات التشريعية في اليونان وهي الانتخابات التي افرزت فوز الاحزاب المحافظة واليسارية المتطرفة الرافضة لبرنامج الانقاذ الأوروبي والدولي المعتمد علي سياسة التقشف. ولكن من جهة أخري كشف مسئولون أوروبيون عن ان الاتحاد الأوروبي قد يتخذ موقفا اكثر مرونة مع دول مثل اسبانيا التي هي القوة الاقتصادية الخامسة في الاتحاد الأوروبي. وتنص قواعد الميزانية بالاتحاد الأوروبي علي ضرورة ان يكون عجز موازنات الدول الاعضاء يعادل اقل من3% من الناتج المجلي الاجمالي اي من قيمة ما تنتجه الدولة من سلع وخدمات خلال فترة زمنية عادة ما تكون سنة واحدة. وقد يتم منح بعض الدول عاما اضافيا اذا واجهت اوضاعا اقتصادية صعبة غير متوقعة مع عواقب كبيرة غير مواتية بالنسبة للموارد المالية الحكومية. ويعني ذلك بالنسبة لاسبانيا, التي حصلت بالفعل علي موافقة بالتخفيف من مقدار العجز المستهدف للعام الجاري, امكانية تمديد الإطار الزمني حتي عام2014 لخفض العجز إلي اقل من3%. وشدد اولي رين المفوض الأوروبي للشئون النقدية علي ضرورة الا تتخلي الدول الاعضاء في الاتحاد عما وصفه بالسياسات الاقتصادية الحكيمة, ولعل رين كان يردد في هذا الإطار صدي تصريحات المستشارة الالمانية انجيلا التي شددت فيها عقب فوز الرئيس الفرنسي الاشتراكي فرانسوا اولاند علي تمسكها بمنهج التقشف المالي للخروج من ازمة الديون في أوروبا.