عادت مصر مجدي تمد يديها لصندوق النقد الدولي طلبا للمساعدة والقروض,خلافا لمواقفها لهذا المبدأ بعد ثورة25 يناير والذي جاء إنطلاقاي من الخوف علي مستقبل الأجيال القادمة. والحرص علي تجنيبها التورط لعقود طويلة في سداد الديون وفوائدها التي تتكاثر بشكل عجيب. وإذا استمرت حالة عدم الإستقرار ووقع المحظور بالسقوط في شباك الديون والإقتراض علي نطاق أوسع من المؤسسات المالية الدولية التي نصبت شباكها بالفعل, فإن سيناريوهات كارثية قد تكون أقرب إلي التحقق, تبدأ بسياسات التقشف وشد الحزام. وقد جاءت للإستاعنة بصندوق النقد, بعد أن تراجعت فرص الحصول علي دعم من الدول العربية الخليجية التي تراجعت عن وعودها وتعهداتها بتقديم مساعدات حقيقية للإقتصاد المصري. وتكافح مصر لتفادي أزمة طاحنة بعد أكثر من عام من عدم الإستقرار السياسي والإقتصادي وتحاول الحصول علي قرض بقيمة3.2 مليار دولار من صندوق النقد الدولي. وقد كشف رئيس الوزراء كمال الجنزوري اخيرا عن عدم وصول المساعدات الموعودة, وتراجع الدول العربية عن تعهداتها, الأمر الذي كان يعني تلقائيا التوجه إلي صندوق النقد الدولي رغم مخاطر القبول بوصفته للإصلاح الإقتصادي, حيث سيتعين علي مصر إقرار برنامج تقشف قد يفجر الوضع الإجتماعي مجددا, فضلا عن الإجراءات لرفع الدعم عن رغيف الخبز وسلع أساسية أخري. الغريب أن هناك من دول الخليج من إشترطت علي مصر الإتفاق أولا مع صندوق النقد الدولي والحصول علي شهادة حسن سير وسلوك منه قبل أن تتحرك لتقديم المساعدات الموعودة.كما لا يمكن في هذا الصدد تجاهل إحتمال تعرض تلك الدول لضغوط أمريكية لحجب المساعدات في إطار ضغوط علي مصر بعد ثورة25 يناير لإبقائها في فلك الرعاية الأمريكية. ويمكن أيضاي إرجاع تباطؤ الخليج في دعم الإقتصاد المصري لمخاوف من إنتشار عدوي الربيع العربي وإتساع نطاق المطالبات بالتغيير, وهو الأمر الذي يهدد مستقبل العديد من أنظمة الحكم في تلك المنطقة. هناك سبب آخر يبدو منطقياي يتعلق بمخاوف طبيعية لرأس المال, حيث يخشي المانحون تقديم المساعدات والأموال في بلد لم يصل إلي مرحلة الإستقرار بعد, ويعاني اضطراباي أمنيا وسياسيا. كما تبو الصورة أكثر قتامة إذا اتضح أن الدعم الأوروبي مثلا أصبح مشكوكا فيه بسبب الأزمة المالية الأوروبية, وتوقعات بإستمرار المشاكل المالية الأمريكية. فالمنظمات المالية الدولية والدول الغربية المانحة ربما لن يكون في مقدورها الوفاء بما قطعته علي نفسها من تعهدات تجاه ما يسمي دول الربيع العربي عموماي ومن بينها مصر. يقول الأوروبيون إنفسهم إن أزمة الديون الحالية تهدد بكارثة مالية وإقتصادية واسعة النطاق, ستتجاوز حدود منطقة اليورو. وتدق منظمة العمل العربية ناقوس الخطر وتؤكد أن مظاهر التراجع الإقتصادي باتت حتمية في ظل ظروف وتغيرات عميقة تمر بها بعض الدول العربية, لكنها تري في الوقت نفسه أنه يمكن تدارك هذه المتغيرات بحلول الإستقرار وسيادة قوانين مقنعة. في هذا الصدد تجب الإشارة إلي أن أعباء خدمة الدين الخارجي إرتفعت بمقدار138 مليون دولار, لتبلغ2.4 مليار دولار خلال الفترة من يوليو إلي مارس من السنة المالية2010-2011, مقارنة بالفترة المناظرة من العام السابق, ويبدو أن تخطي الدين العام المحلي حاجز التريليون جنيه, كان متوقعاي منذ فترة طويلة, بسبب عدم دخول إستثمارات أجنبية مباشرة للسوق المصرية, خلال الفترة التي أعقبت الأزمة المالية العالمية. وتبدو المشكلة الأبرز في زيادة عجز الموازنة العامة للدولة, وإنخفاض نسبة السيولة المخصصة من البنوك, مع الإتجاه إلي الإقتراض من الخارج. وقد توقع وزير المالية ممتاز السعيد ألا يتجاوز حجم العجز144 مليار جنيه, بسبب إجراءات إتخذتها الحكومة خلال تنفيذ الموازنة لتلبية بعض المطالب الفئوية وتكاليف العملية الإنتخابية.