إذا كانت الديون والأزمات الاقتصادية المتتابعة تهدد الكيان الأوروبي الأكثر تماسكا والأقوي أداء خلال العقود الماضية فماذا تفعل دول أخري مثل مصر إذا تعرضت لمثل هذه الهزات. وهو أمر بات أكثر احتمالا وربما لاحت بوادره مع تأكد تجاوز الدين العام الحدود الآمنة المتعارف عليها دوليا؟ وتبدو أزمة الديون الأوروبية الحالية ككرة الثلج المتدحرجة وربما تصل تأثيراتها السلبية وتداعياتها الخطيرة إلي المنطقة العربية وتحديدا إلي بلدان ثورات الربيع العربي التي لا تزال تعاني أثار مخاض ولادة متعسرة للديمقراطية والاستقرار والعدالة الاجتماعية. وهنا تبرز حقيقة مهمة مؤداها أن محاولات الدول إعادة جدولة ديونها تجعلها رهينة لسياسات تقشفية ستعمق حتما مشاكلها الداخلية وتفاقم الاحتقان السياسي والاجتماعي نتيجة زيادة معدلات البطالة والفقر والجوع وهو ماقد يفتح الباب علي مصرعيه لتساؤلات بشأن خريف اقتصادي عربي. صورة أكثر قتامة وتبدو الصورة أكثر قتامة إذا اتضح أن الدعم الدولي المأمول للحكومات الجديدة في دول كمصر وتونس وليبيا أصبح مشكوكا فيه بسبب الأزمة المالية الأوروبية وتوقعات باستمرار المشاكل المالية الأمريكية. فالمنظمات المالية الدولية والدول الغربية المانحة ربما لن يكون في مقدورها الوفاء بما قطعته علي نفسها من تعهدات تجاه مايسمي دول الربيع العربي. يقول الأوروبيون أنفسهم إن أزمة الديون الحالية تهدد بكارثة مالية واقتصادية واسعة النطاق ستتجاوز حدود منطقة اليورو. وإذا استمرت حالة عدم الاستقرار ووقع المحظور بالسقوط في شباك الديون والاقتراض من المؤسسات المالية الدولية التي نصبت شباكها بالفعل فإن سيناريوهات كارثية قد تكون أقرب إلي التحقيق. وتدق منظمة العمل العربية ناقوس الخطر وتؤكد أن مظاهر التراجع الاقتصادي باتت حتمية في ظل ظروف وتغيرات عميقة تمر بها بعض الدول العربية, لكنها تري في الوقت نفسه أنه يمكن تدارك هذه المتغيرات بحلول الاستقرار وسيادة القانون وقيام تمثيل شعبي حقيقي. ديون مصر وحسب تقديرات البنك المركزي المصري ارتفع رصيد الدين الخارجي بنسبة3.4% بنحو1.1 مليار دولار ليبلغ34.8 مليار دولار نهاية مارس الماضي مقارنة بنهاية يونيو.2010 وارتفعت أيضا أعباء خدمة الدين الخارجي بمقدار138 مليون دولار لتبلغ2.4 مليار دولار خلال الفترة من يوليو إلي مارس من السنة المالية2010 2011 مقارنة بالفترة المناظرة من العام الماضي. ويبدو أن تخطي الدين العام المحلي حاجز التريليون جنيه كان متوقعا منذ فترة طويلة بسبب عدم دخول استثمارات أجنبية مباشرة للسوق المصرية خلال الفترة التي أعقبت الأزمة المالية العالمية. وتبدو المشكلة الأبرز في زيادة عجز الموازنة العامة للدولة وانخفاض نسبة السيولة المخصصة من البنوك مع الاتجاه الي الاقتراض من الخارج. وليس من شك في أن الوصول الي هذه المرحلة يعني حرمان الأجيال القادمة من حق التمتع بموارد البلاد التي ستخصص حتما للتعاطي مع أعباء الديون المتراكمة وفوائدها التي لا ترحم. وفي هذا السياق تجب الاشارة إلي تجارب سلبية حفرت بالذاكرة المصرية عن الديون الخارجية منذ عهد الخديو اسماعيل مرورا بأزمة الثمانينيات وصولا لنكبات اجتماعية سيئة تسبب بها البنك والصندوق الدوليين عبر روشتة برامج مايسمي بالاصلاح الاقتصادي. ويمكن لمصر أن تلجأ إلي جيرانها بالمنطقة خاصة بالخليج حيث يمكن تأمين تدفق موارد جديدة وضخمة للنقد الأجنبي في شكل منح أو شراء سندات الحكومة المصرية أو تقديم قرض لتمويل المشروعات الصغيرة بمصر علي أن يكون الأساس في كل الأحوال هو ترشيد استخدام الموارد المحلية ووضع حدود قصوي للأجور في كل القطاعات واستعادة أموال مصر المنهوبة. كما يمكن اللجوء لدول ذات اقتصادات صاعدة مثل البرازيل والصين وشرق آسيا لسد احتياجاتنا المالية وذلك من أجل تبني استراتيجيات تنموية جادة وحقيقية تنعكس علي مستوي معيشة المواطن العادي. فهل تكون أزمة الديون الأوروبية والأمريكي بداية لخريف جديد في المنطقة العربية؟