القارئ يذكر أنني أوردت في مقال' لمصر لا للأقباط' مبادرة نفر من المستنيرين المصريين لتشكيل' اللجنة الوطنية للتصدي للعنف الطائفي' أن دور الإعلام لم يعد مقصورا علي التحريض علي الكراهية عبر فضائيات مشبوهة وغير مسئولة فيما نلحظ اهتماما رئاسيا بمواجهة الاحتقان الطائفي والتنبيه الي ضرورة التحرك علي الأرض من كل القوي الوطنية المستنيرة, وفق ما جاء بخطابي السيد الرئيس في الاحتفال بعيدي العلم والشرطة, نلحظ تراجعا غير مبرر للبرلمان المصري في تناول هذا الأمر, يكشف جانبا من أزمة الشارع السياسي, بل ويرسل رسالة غاية في الخطورة لجموع الناخبين بأهمية التدقيق في اختيار ممثليهم ونوابهم القادمين في مجلسي الشعب والشوري, وأكاد اجزم بأن غالبية الوجوه الحالية ستختفي في الدورة القادمة وهو الثمن الواجب السداد منهم لتقاعسهم واخفاقهم في اداء دورهم النيابي. ولعل القارئ يذكر انه حين وقعت احداث الخانكة يومي6 و12 نوفمبر1972 سارع مجلس الشعب بتشكيل لجنة برلمانية رفيعة المستوي لتقصي الحقائق في نفس يوم تكرر اندلاع أعمال العنف الإثنين12 نوفمبر1972 في إشارة بالغة الوضوح لفهم المجلس لدوره وواجبه وكان قرار تشكيل اللجنة يحمل دلالات التكامل المؤسسي والدقة والحيادية والتخصص القانوني والسياسي, حسب ما جاء بمقدمة تقرير اللجنة: أصدر مجلس الشعب بجلسته المعقودة يوم الاثنين12 نوفمبر1972 قرار بناء علي طلب السيد رئيس الجمهورية إلي تشكيل لجنة خاصة باستظهار الحقائق. حول الأحداث الطائفية التي وقعت أخيرا في مركز الخانكة وإعداد تقرير للمجلس عن حقيقة ما حدث. وقد شكلت هذه اللجنة برياسة الدكتور جمال العطيفي وكيل المجلس وعضوية السادة أعضاء المجلس محمد فؤاد أبو هميلة وألبرت برسوم سلامة وكمال الشاذلي والدكتور رشدي سعيد وعبد المنصف حسن زين والمهندس محب إستينو.. وعندما وقعت أحداث نجع حمادي ليلة عيد الميلاد6 7 يناير2010 توجهت لجنة من مجلس الشعب لمتابعة الأحداث أعلن البعض من اعضائها أنها لجنة لتقصي الحقائق فإذا برئيس المجلس يسارع ليعلن انها ليست لجنة لتقصي الحقائق بل هي لجنة لمواساة الضحايا, هكذا, وكأنها مبتعثة من وزارة التضامن الاجتماعي, وهنا نضع ايدينا علي واحدة من دلالات تراجع الأداء وافتقار الحس السياسي والمجتمعي والمحمل بتهوين فادح لتداعيات الموقف, وعندما تصدت النائبة الدكتورة جورجيت قليني لمحاولات طمس الحقائق لحساب نائب دائرة الاحداث قامت عليها الدنيا ولم تقعد داخل المجلس, وقام النائب بالهجوم عليها داخل المجلس وخارجه وعلي الفضائيات الأمر الذي دعاها لتقديم بلاغ ضده في مكتب النائب العام, وحتي يمكن السير في اجراءات التحقيق كان لابد أن ترفع عنه الحصانة مؤقتا لسماع اقواله فيما هو منسوب اليه, لكن المجلس رفض هذا بإصرار, ووافق في ذات الجلسة علي طلبات مماثلة لرفع الحصانة عن اعضاء آخرين في وقائع اقل خطورة من تلك الواقعة, في دلالة اخري علي تراجع الأداء وربما علي ما هو افدح. ولعل القارئ يذكر أنني أوردت في مقال' لمصر لا للأقباط' مبادرة نفر من المستنيرين المصريين لتشكيل' اللجنة الوطنية للتصدي للعنف الطائفي' والتي تحركت بشكل فاعل ترجم في لقاء مع سيادة المستشار النائب العام, ثم لقاء مع رئيس مجلس الشعب الذي أناب عنه الأستاذ عبد العزيز مصطفي وكيل المجلس وقدموا له رؤية وتصورا عمليا لمواجهة طاعون الاحتقان الطائفي ومطالب محددة في هذا الصدد, لو انها وجدت من يطالعها ويفعلها في المجلس لأنتجت فعلا ايجابيا يقطع الطريق علي امتداد الحرائق تلك, لكن يبدو ان خيار المطالعة والتفعيل مازال غائبا. وإزاء هذا النهج كان لابد ان تشتعل حريقة طائفية اخري وهو ما حدث في مرسي مطروح, والذي تم التعامل معه بنفس النسق التسطيحي الذي ارتضيناه منذ وقعت احداث الخانكة1972, وحتي احداث مرسي مطروح2010 اعتداءات فضجة اعلامية, فتحرك أمني يطوق منطقة الاحداث ثم القبض علي بعض من الناس من الجانبين وتقديمهم للنيابة العامة ثم الدعوة للصلح ثم بعض من صور ولقطات لرموز دينية تتعانق وتتبادل حديثا مطولا عن النسيج الواحد والتراب والتاريخ والعدو المتربص والمؤامرة الكونية التي تستهدف وحدتنا, فاستنكار من المستنيرين أقباط ومسلمين, وينتهي الأمر وتطفئ انوار البلاتوه وينصرف الكل بعد أن أدي دوره بدون خروج علي النص, وبجوار الاسوار كائن سرمدي ينكفئ علي نفسه يبكي حاله, غير مصدق انه كان يوما منارا للعالم ومركزا من مراكز الإشعاع الحضاري, يتبدد بيد من ينتسبون إليه. وتلتئم جماعة المستنيرين في لجنة التصدي للعنف الطائفي مرة اخري وتسارع إلي التحرك من جديد لمقابلة الضلع الثالث في منظومة حماية المجتمع وهو منظومة الإعلام ممثلة في وزير الإعلام ونقيب الصحفيين, كل في موقعه, بعد ان تأكد الدور المحوري للإعلام في مواجهة خطر التطرف والاحتقان الطائفي, أو هكذا يكون دوره, وبعد ان تم رصد جوانب سلبية له كانت بمثابة صب الزيت علي النار أو وضع الملح علي الجرح, وقدمت لهما في مكتبيهما مذكرة لا تفتقر للصراحة والأنين, عسي ان يكون حظها أفضل من حظ سابقتها المستقرة في ادراج مكتب وكيل مجلس الشعب, فالأمر اخطر من الارتكان للمواءمات والتوازنات إنه امن وسلامة وطن. وقد يأذن لي القارئ أن انقل بعضا من سطور تلك المذكرة والتي تقول: نحمل كل القوي المدنية في مصر وعلي رأسها تلك القوي التي تطالب بالإصلاح والتغيير الديمقراطي مسئولية التصدي بكل حزم وقوة لهذا المسار الطائفي الذي يهدد مستقبل الوطن, ونطالبها بأن تطالب معنا بوقف سياسات جلسات الصلح العرفية التي تساوي بين الجلاد والضحية وتختلق توازنا غير قائم بالفعل بين الجاني والمجني عليه, ونطالبها بأن تطالب معنا بإعمال قوة القانون وتقديم الجناة في هذا الحادث الإجرامي وفي غيره للمساءلة القانونية وبالذات هؤلاء الذين قاموا بالتحريض المباشر, ونطالبهم أن يطالبوا معنا بأن تتحمل وزارة الأوقاف مسئوليتها إزاء ما يجري في بعض المساجد من تحريض علي الكراهية وبث للفرقة والفتنة بين المصريين. وتستطرد المذكرة: اللافت أن دور الإعلام لم يعد مقصورا علي التحريض علي الكراهية عبر فضائيات مشبوهة وغير مسئولة, وإنما وصل الأمر بكل أسف إلي حد تقديم تغطيات إعلامية من خلال بعض الصحف ووسائل الإعلام القومية وبعض المؤسسات الإعلامية المستقلة, تشوه الحقائق وتبرر الاعتداءات الطائفية بالدرجة التي لا تجعلها مقبولة فحسب, بل تكاد تجعلها موضع استحسان وترحيب, وقد بدا ذلك واضحا في التغطية الإخبارية لجريمة نجع حمادي التي ربطت وسائل الإعلام بينها وبين حادث اعتداء مواطن مسيحي علي طفلة مسلمة في فرشوط رغم بعد المسافة بين فرشوط ونجع حمادي, من ناحية, ورغم أنه لا صلة إطلاقا تربط بين المعتدين في نجع حمادي وبين هذه الطفلة من ناحية أخري, وقد تكرر الأمر مرة أخري عندما أكدت نفس الصحف في تغطيتها للاعتداءات الطائفية في مرسي مطروح أن مجمع الخدمات القبطي قد أغلق شارعا بغير وجه حق أمام المارة, وعلي الرغم من عدم صدق هذه المعلومة وفقا لما يتوفر لدينا من معلومات موثقة إلا أن الأمر الأهم هو أنه مع فرض صحتها فإنها لا يمكن بحال من الأحوال أن تبرر الاعتداءات علي كل المسيحيين في المنطقة بدلا من التقدم بشكوي محددة إلي الأجهزة المحلية المعنية, والأدهي والأمر أن هذه الصحف نفسها أكدت أن ما حدث هو' اشتباكات بين المسلمين والمسيحيين' وأن هناك مصابين من الطرفين علي الرغم من أن الحقائق تؤكد أن الأمر لا يزيد علي كونه اعتداء علي المسيحيين وأنه لا توجد أي إصابات بين المسلمين اللهم إلا بعض رجال الأمن الذين قاموا بحكم وظيفتهم بالدفاع عن المسيحيين إزاء ما تعرضوا له من اعتداء. الأمر يتجاوز اطفاء الحرائق ويتطلب تجفيف المنابع, ولا يجدي معه ترحيل المواجهة والحل, فهل من تحرك ايجابي أم ننتظر المزيد؟! [email protected]