إنها رسالة واضحة وموقعة من الملايين الذين شاركوا في صنع المشهد الحضاري والديمقراطي خلال المرحلة الأولي للانتخابات البرلمانية, هذه الرسالة تقول إن الشعب بكل شرائحه ومكوناته واتجاهاته هو وحده صاحب القرار, وصاحب الثورة التي أسقطت النظام السابق عندما خرجت هذه الملايين إلي الشوارع والميادين في يناير تطالب بالتغيير حتي تتحقق الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية. الاقبال الهائل علي صناديق الاقتراع لم يكن أبدا لنصرة اسماء بعينها أو أحزاب وائتلافات سياسية, بقدر ما كان الكلمة الحاسمة والقول الفصل في تقرير مصير الوطن. والرسالة تقول بالوضوح ذاته وبتوقيع الملايين إن الشعب بات أكثر وعيا ويقظة وانتباها من الجميع, وقد حان الوقت لكل القوي والأحزاب والنخبة من قادة الرأي ووسائل الإعلام لاستيعاب الدرس الجماهيري والكف عن المزايدة والتحدث باسم مصر وشعبها وثورتها لأن هناك المؤسسات المنتخبة التي يمكنها حسم الجدل المثار حول القضايا المتعلقة بحاضر الوطن ومستقبله علي حد سواء. ونستطيع أن نضيف بقلوب مطمئنة أن هذا الشعب الذي استيقظ لن يفرط أبدا في حقوقه ولن يتنازل عن تحقيق أهداف ثورته كاملة غير منقوصة, وإذا استشعر خيبة الأمل في الفائزين فسيكون الحساب عسيرا فقد انتهي الاذعان والصمت إلي غير رجعة. ولعلنا لا نبالغ في القول ودون استباق النتائج إن الفائز الأول وبجدارة في هذه الانتخابات التاريخية سيكون مصر الدولة القوية الراسخة والناهضة والساعية نحو آفاق واعدة تستحقها عن جدارة بعد أن أعطي الشعب البرهان والدليل علي تمسكه بالشرعية ورفضه القاطع لتكرار التجارب التي أدخلت الشعوب من حولنا في انفاق مظلمة تتردد علي جنباتها دعاوي الفتنة والانقسام. الشعب المصري هو الذي يمتلك زمام الأمور ولن يفرط في أقدم دولة عرفها التاريخ, ولن يتنازل أيضا عن ثورته التي دفع ثمنها غاليا من دماء الشهداء والجرحي. مصر تغيرت للأبد, هكذا يجب أن نقرأ سطور الرسالة الموقعة من الملايين, وعلي الذين يحاولون القنص والقفز والفوز بالنصيب الأكبر من غنائم ثورتها, البحث عن البدائل الشرعية وعدم اثارة الجماهير. وهذا الشعب العظيم سيظل في أعلي درجات الاستنفار حتي تكتمل مراحل الانتخابات الثلاث, ومن بعدها الانتخابات الرئاسية, وعندها يبدأ البناء الجديد الذي سيبهر العالم بإنجازات تسابق الزمن, وتضع مصر في مكانها الصحيح الذي تستحقه بكل جدارة.