هاهي مصر الحقيقية, أم الدنيا, وصانعة التاريخ, ومطلع فجر الضمير البشري, ها هي العظيمة تخطف أنظار العالم من جديد. بالأمس الكل تابعوا مبهورين ما يجري هنا, علي ضفاف النيل. كان السؤال يطن في الرءوس: هل ينجحون؟ هل يتجاوزون اختبار الديمقراطية؟ هل هم حقا حضاريون؟ وجاءت الإجابة مدوية, نطقت بها الملايين التي احتشدت أمام اللجان منذ الصباح الباكر تدلي برأيها: نعم.. مصر عبرت من جديد, وبعد عبورها الأول لاستعادة الكرامة في73 هاهي تحقق عبورها الثاني نحو الحرية والديمقراطية والاستقرار. إنه العبور الذي فتحت أبوابه ثورة25 يناير العملاقة. نعم.. كنا شجعانا, وقبلنا التحدي, وواجهناه, لم نسمح للمشككين والمتآمرين وتجار السياسة بسرقة ثورتنا, ولا إضعاف عزيمتنا, هزمنا الخوف, ذهبنا وانتخبنا, برغم أنف البلطجية والمغامرين, انتخبنا, قال الشعب كلمته, وإذا تحدث الشعب فعلي الجميع الإنصات والطاعة. قالوا: انتخاباتهم ستفشل علي صخرة الفوضي, فإذا بهم أمام واحدة من أكفأ خطط التأمين التي عرفتها مصر في تاريخها, بالتعاون بين القوات المسلحة والشرطة, قالوا: سيتشاجرون, وسيقتل بعضهم بعضا بالسلاح الأبيض والكلاشينكوف ففوجئوا بسيمفونية من الانضباط والنظام والهدوء, ولم تقع اشتباكات تذكر, اللهم بعض الأخطاء التقنية التي تحدث في كل انتخابات في الدنيا. قالوا: سيبيعون أصواتهم ويشترونها, فأذهلهم اختفاء الظاهرة البغيضة, ولم يسمع أحد عن رشوة إنتخابية أو تصويت بالمحمول من خارج اللجان, إندهشوا.. أدركوا حينئذ أنهم أمام مصر جديدة, عفية, راغبة ومصممة علي الانطلاق.. وسوف تنطلق. .. إقبال غير مسبوق. ما السر ياتري؟ إنها روح الحضارة الكامنة في الوجدان والعقل منذ آلاف السنين, والتي حاول البعض طمسها, طمعا في مصالح شخصية ضيقة, فلم تنطمس, وفوق الجميع رفرفت أرواح الشهداء الذين جادوا بدمائهم في ميادين الثورة والشرف.. ألا فلتهدأ دماء الشهداء التي لم تذهب بلا ثمن. مصر عبرت.. وستواصل العبور, وستقدم للتاريخ من جديد كما اعتادت حضارة فذة جديدة قائمة علي العدل والحق واحترام الانسان. أمس بدأ المشوار..وسوف يستمر.