كان المشهد جنائزيا لا يقل حسرة عن مشهد تجسدت تفاصيله أمام مشرحة زينهم, ورغم اختلاف الحالتين إلا أن قسم الرمد بمستشفي الدمرداش سيطرت عليه حالة من الذهول والصراخ من أهالي المصابين. الذين ذهبوا إلي التحرير مدافعين عن الوطن فعادوا بعاهات مستديمة ستجعلهم معاقين فمنهم من فقد عينيه ومنهم من فقد عينا واحدة. الأهرام المسائي رصدت شهادتهم من علي أسرتهم البيضاء الملوثة بدمائهم والتقت بهم. ولم يكن رضا عبدالعزيز محمد زهير19 عاما من الخصوص يعلم أنه حينما خرج من منزله مدافعا عن حقوقه مثل باقي المواطنين أن يتحول من شخص سوي إلي صاحب عاهة جعلته منعزلا عن عالم الأحياء, لاسيما أنه قد فقد عينيه لتكون المرة الأخيرة التي يري فيها النور,فقد كان في طريقه لمشاركة زملائه في معرفة مصيرهم دون أدني فكرة عما قد يتعرض له. وعندما اعترضه شقيقه الأكبر متخوفا من مصير مجهول كان رده الشجاع الذي تبادر علي الفور رايح أشوف اخواني اللي بيموتوا واللي بيحصل, وأمام اصراره لم يستطع شقيقه منعه فذهب لمصيره المجهول, وفور وصوله لميدان التحرير فوجئ بأحد الأشخاص ملقي علي الأرض تسيل منه الدماء فسارع بإنقاذه إلا أنه فوجئ بمدرعة أمن مركزي يخرج منها أحدهم ويطلق عليه النار لتخترق عينيه مباشرة ثم تستقر في الحنجرة. ويضيف والده من بين دموعه أرجوكم نفسي ابني يشوف تاني اعملوا أي حاجة شاب في ال19 من عمره ما ذنبه أن يفقد عينيه من جراء رصاصات الداخلية وظل يردد حسبنا الله ونعم الوكيل. وتستطرد الأم المكلومة وهي تصرخ منهم لله عين ابني الاتنين راحوا هو مالوش ذنب إلا كان رايح يدافع عنهم سلبوا عينيه رجعولي عين ابني حرام يعيش طول عمره في ظلام. ويحكي محمد فتحي محمد34 سنة عامل من المطرية قائلا أثناء توجهي للميدان لمشاركة زملائي احتجاجا علي صرف تعويضات مصابي الثورة فوجئت بعدد من ضباط وأفراد الشرطة يقومون بالاعتداء بالضرب وإطلاق النار علي المتظاهرين بشكل انتقامي واستخدام القنابل المسيلة للدموع, كما قام البعض منهم بفرض حواجز علي مداخل الميدان وانقضوا علي الثوار بسيارات مدرعة ومصفحة, بالإضافة إلي قيام أحدهم بإطلاق النار بشكل جنوني وكأنه لا يدري ما يفعل وأن مهمته إطلاق النار فقط. ويضيف أنه عقب تجمع الثوار وأثناء محاولة الجيش فض احتجازهم أصر المتظاهرون علي أن سيظلوا قيد الاحتجاز لحين رد أكثر من50 شابا قامت الشرطة باحتجازهم. ويستكمل حديثه قائلا إن ما حدث كان شيئا غريبا حيث انتشرت القوات وظل الضرب يتواصل علي مخيمات الثوار ومراكز الإسعافات الأولية مطالبا بتغيير الحكومة والمجلس العسكري وإلغاء وثيقة المبادئ فوق الدستورية, بالإضافة إلي تعويضه عن فقدان عينه التي تسببت في إحداث عاهة مستديمة له. بينما يروي أحمد صلاح محمود25 عاما من عين الصيرة مأساته قائلا إنه كان في طريقه لشراء مستلزمات للمحل الذي يمتلكه وأثناء استقلاله سيارته فوجئ بشاب ملقي علي الأرض فنزل لحمله وتوصيله إلي أقرب مستشفي فما كان إلا طلقات الغدر تخترق إحدي عينيه ويسقط مغشيا عليه. ويتساءل من الذي يعوضني عما فقدته ويعيد لي بصري خاصة أنني في بداية حياتي وأصبت بعاهة مستديمة. ويقول عزيز جمعة طلبة29 عاما من العمرانية ويعمل عاملا مساعدا بمحطة بنزين إنه أثناء توجهه لزيارة شقيقته التي وضعت مولودة حديثا وخلال عبوره من التحرير فوجئ بقوات الأمن تطلق نيرانها بجميع الاتجاهات والثوار يتساقطون وعندما هرع لإنقاذ أحد الشباب الذي كان ينزف بشدة فوجئ بطلقة تصيب عينه اليسري ليفقد الوعي. ويضيف أن جميع زملائه من ثوار يناير وأنه لم يكن يذهب لميدان التحرير إلا للمطالبة بحقوقهم المشروعة قائلا إنه يعول أسرة مكونة من8 أفراد ووالده رجل مسن ووالدته مريضة وهو مصدر رزقهم الوحيد متسائلا من يعوضه عما فقده من بصره مطالبا بتحقيق عدالة اجتماعية ومحاسبة المتورطين في أحداث التحرير. وأنهي حديثه قائلا إذا كان أجدادنا الفراعنة قد صنعوا ميزان العدالة فأحفادهم قد يحققون النصر.