نريد المساواة لا الخصخصة... صرخة أطلقتها مرأة تبدو في الاربعينيات من عمرها في وجه رجل يبلغ من العمر حوالي ثمانين عاما خلال احد منتديات الصفوة بمدينة سان فرانسيسكو الأمريكية عشية حدث عالمي كبير. انطلقت شرارته الأولي من قلب حي المال والأعمال في أكبر اقتصاد في العالم.. فأما المرأة فهي واحدة من أنصار الحركة التي دشنت موجة احتجاج أممية لم يسبق لها مثيل ضد ما يوصف بالوجه الجائر للرأسمالية العالمية ألا وهي حركة احتلوا وول ستريت. وأما الرجل فهو قطب الإعلام العالمي المياردير روبرت ميردوخ الذي توصف ترسانته الإعلامية بأنها احد أكبر الأبواق المكرسة لهيمنة النظام الرأسمالي العالمي في صورته القبيحة الراهنة او هكذا يقال... صرخة أممية أما خارج هذه المدينة, فقد كان هناك مايمكن وصفه بأقوي صرخة أممية علي الإطلاق ضد مايوصف بجشع الرأسمالية وتدميرها الراهن للنسيج الاقتصادي والاجتماعي والسياسي لشعوب الأرض.. صرخة امتدت رقعتها الجغرافية لتشمل نحو ألف مدينة او يزيد, من نيويورك غربا الي طوكيو شرقا, ومن جنوب افريقيا جنوبا الي بلدان القارة الأوروبية شمالا. انتفاضة أكد الآلاف من المشاركين فيها انها تجسد مطالب تسعة وتسعين في المائة من سكان الأرض ضد نخبة مالية تستحوذ علي معظم الثروة ومن ثم تشارك بقوة في أغلب السلطة علي ظهر البسيطة. هولاء المنتفضون يرون ان المشهد الاقتصادي العالمي كسر كل قواعد الانصاف والمنطق ايضا. فكيف يستحوذ اقل من واحد في المائة من سكان البشرية علي ثروة تبلغ قيمتها نحو ثلاثة وأربعين تريليون دولار اي مايعادل نحو سبعين في المائة من الدخل القومي العالمي بل وتتزايد ثرواتهم باطراد رغم الازمة المالية والاقتصادية العالمية؟... هكذا يتساءلون.. فمن الذي اغرق العالم في ازمة ديون لم يسبق لها مثيل في التاريخ الحديث.. ديون تراكمت علي الحكومات والافراد لتصل قيمتها الي نحو مائة وستعة تريليونات دولار؟... هكذا يتعجبون. ولماذا يهرع قادة العالم الي انقاذ المؤسسات المالية التي تسببت بجشعها في الازمة المالية العالمية بتريليونات الدولارات ثم يطالبون الشعوب في المقابل بشد الاحزمة علي البطون؟ هكذا يصدحون... بل ولماذا يبدو هؤلاء الزعماء كما لو كانوا منحازين لمصالح الأغنياء علي حساب المعدمين؟ هكذا ينتقدون. بلا قيادة لكن في المقابل هناك من يتهم هذه الحركة الأممية التي استلهمت روح الربيع العربي والتي تناضل ضد مايوصف بديكتاتورية الأسواق وهيمنة رأس المال.. ثمة من يتهمها بأنها بلا قيادة وبلا رؤية محددة, بل وبأنها تطرح تساؤلات كبري لكنها لا تقدم حلولا جذرية.. قادرة علي جعل الرأسمالية أكثر إنسانية وانصافا. وتقول وكالة رويترز في تقرير تحليلي لها انه من المرجح بصورة كبيرة ان يؤدي كل من تحول حركة احتلوا وول ستريت الي حركة عالمية, والاضطرابات المستمرة في منطقة الشرق الاوسط الي جعل العالم يعيش فوق صفيح ساخن بشكل لم يسبق له مثيل منذ عقود طويلة خلال موسم الخريف والشتاء الحالي. ويعني هذا الامر ان هذا الشتاء قد يحمل عن جدارة لقب شتاء الغضب الشعبي العالمي. وقد رفعت مراكز الابحاث السياسية والاجتماعية والاقتصادية الكبري في شتي أرجاء العالم حالة الاستنفار الي الدرجة القصوي للوقوف علي طبيعة هذه الاحداث, وجذورها, والسيناريوهات التي قد تتطور اليها. وثمة من أصبح يعتقد بشكل متزايد ان مايحدث الان علي هذا الصعيد هو مجرد بداية علي الأرجح, وأن قمة جبل الجليد قد تخفي تحتها ما قد لايكون في الحسبان ثورة الشباب. يخشي البعض من ان يكون العالم بصدد ان يشهد تصاعدا مستمرا في موجات الغضب والاحتجاج والتوترات السياسية التي ربما تستمر سنوات او حتي عقود وفي كثير من دول العالم بدأ جيل جديد من الشباب المتصل جيدا بمواقع التواصل الاجتماعي يفقد الثقة في الهياكل التقليدية للثروة والسلطة في الدنيا بأسرها. ويقول الكثير من أبناء هذا الجيل انه تعرض للخديعة, وحرم من فرص العيش الكريم. وفي العالم المتقدم, تخشي الطبقة المتوسطة التي تعد العماد الاساسي لاي مجتمع من تبخر رخائها, وتطالب بمحاسبة المسئولين عن هذه الازمات المالية والاقتصادية التي تعصف بالمشهد العالمي. ويقول جاك جولدستون استاذ السياسة العامة بجامعة جورج ميسون في العاصمة الامريكيةواشنطن وهو خبير في علم السكان قد تظل هذه الاضطرابات العالمية معنا لفترة طويلة وأضاف قائلا ان هناك جيل ضج من ان تملي عليه الدول الغنية الغربية أو اثرياء الغرب مايتعين عليه ان يفعله... وإنه في مصر اسقطوا نظاما.. لكن قد لايعجبهم من حل محله, وربما يسقطونه ايضا وستكون فترة صعبة وفي العالم الغربي أسفرت الازمة المالية العالمية في بداية الامر عن احتجاجات شعبية لكنها لم تكن واسعة النطاق, غير ان الامر يبدو وكأنه يتصاعد بوتيرة متصاعدة, فقد شهدت اليونان, واسبانيا, وايطاليا, وبريطانيا بعضا من أسوأ الاضطرابات منذ عشرات السنين. وامتدت احتجاجات امريكية علي النظام المالي العالمي وهي الاحتجاجات التي بدأت في متنزه بنيويورك في منتصف سبتمبر الماضي الي خارج الولاياتالمتحدة لتشمل عشرات الدول مع انطلاق مئات في أحيان وربما عشرات الالاف في أحيان اخري الي الشوارع. واتسم الكثير من هذه الاحتجاجات بالطابع السلمي, لكن في روما اضرمت النار في سيارات وخاضت الشرطة معارك مع نشطاء من الجماعة المعروفة باسم الكتلة السوداء وهو نفس الاسم الذي تحمله المادة التي يقول علماء الفيزياء انها تشكل احد اكبر ألغاز الكون ويتحدث صناع السياسات في الدول الكبري بالفعل عن ضرورة تشديد اللوائح الرقابية وفرض زيادات ضريبية علي المؤسسات المالية التي تجني ارباحا طائلة فيما يعاني الملايين في العالم من البؤس والحرمان. كما تحول اهتمام الاعلام العالمي بشكل متزايد الي الدول التي تحمي ثروات مليار ديرات العالم عبر قوانين السرية المصرفية وهي الثروات التي يعد جانب لافت منها ليس فوق مستوي الشبهات. المحاسبة المحاسبة ويؤكد مركز دراسات الشرق الاوسط والامن القومي بكلية نيفل وور بالولاياتالمتحدة ان الموسم السياسي العالمي الحالي يرفع الآن شعارا يتألف من كلمة واحدة هي المحاسبة, وأضاف المركز هذا موسم المطالبة بالمحاسبة وتطبيق سيادة القانون خاصة استهداف النخبة السياسية الحاكمة والنخبة الاقتصادية ايضا. وبينما تتراجع حرارة الصيف في منطقة الشرق الاوسط يبدو ان هذه المنطقة من العالم مقبلة علي المزيد من الحرارة السياسية, فالأحوال تبدو غير مستقرة الي حد كبير في مصر وتونس رغم ثورتيهما السلميتين. كما يبدو الصراع والمواجهات في سوريا في تدهور مع ورود تقارير من حين لاخر عن انشقاق جنود وضباط وتسلح اخرين في مواجهة الرئيس بشار الاسد بل وشائعات عن اعمال قتل علي الهوية. اما في اليمن فان نذر الانفجار السياسي والاجتماعي هي سيدة الموقف مع استمرار مراوغات الرئيس علي عبدالله صالح في مواجهة مطالب الثوار. وفي المملكة العربية السعودية والبحرين ودول اخري يري محللون احتمالا لقيام احتجاجات جديدة خلال الشهور المقبلة. وحتي في ليبيا فإن هناك حديثا عن انقسامات واسعة النطاق بين فصائل الثوار في المجلس الوطني الانتقالي الحاكم وعن صحوة النعرات القبلية وانتشار مروع للسلاح. وفي اسرائيل, والهند, وتشيلي, والصين وأماكن اخري من العالم, تمكنت الاحتجاجات سواء عن طريق الانترنت او الشوارع من الحصول علي تنازلات. فتش عن تركيبة السكان. ويعتقد بعض المراقبين ان الغضب الحالي من الحكام المستبدين والنظام الرأسمالي هو من اعراض التحولات الاساسية في التركيبة الهيكلية لسكان العالم. ففي منطقة الشرق الاوسط وشمال افريقيا, هناك عدد كبير من الشباب يكافحون من أجل الحصول علي وظائف. وتمكنت فئة من الشبان المتعلمين الذين يستخدمون مواقع التواصل الاجتماعي للتنسيق من اشعال الاحتجاجات وسرعان ما انضمت اليها الحشود الغاضبة من مظالم كثيرة ليتحول الامر الي ثورات عارمة. وفي دول غربية هناك توترات بسبب ارتفاع اعمار السكان وهو ما أدي الي ارتفاع تكلفة رعاية المسنين وخفض النمو ومنع حصول السكان الاصغر سنا علي وظائف وعلي أسوأ تقدير يحذر خبراء من ان ذلك ربما يسفر عن متاعب اقتصادية قد تستمر عشرات السنين.