ما حدث يوم الأحد الماضي مؤسف وخطير كونه أعاد وضع المصريين في مواجهة الشعور بكارثة حقيقية عبر عنها البعض في مانشيتات صحفية بأن مصر تحترق وأن مصر تنزف في ماسبيرو. وأن الوطن في خطر وارتدي بعض الإعلاميين الملابس السوداء حزنا علي ما حدث. فالذي حدث علي خطورته ليس محاولة لإشعال الفتنة بالشكل الذي اعتاد علي المصريين. انه تعدي تلك المرحلة ليصل إلي فتنة بين جزء من الشعب هم الأقباط والقوات المسلحة المصرية التي تتحمل عبء إدارة مصر خلال المرحلة الانتقالية وإعدادها لدخول مرحلة أخري من تطورها السياسي. وهنا مكمن الخطر الحقيقي, أي أن يصبح الجيش بدلا من الشرطة في مواجهة الشعب. ومن ثم هنا يثور التساؤل إذا كنا نسلم بحق المصريين مسلمين وأقباطا أن يتظاهروا سلميا لرفع ظلم وقع عليهم أو للمطالبة بتحسين أوضاعهم أو للاحتجاج علي قرارات المجلس الأعلي للقوات المسلحة, فان من حقنا أيضا أن نتساءل عن سر اصرار البعض في التوجه بالمظاهرة إلي ماسبيرو أو أي منشأة عامة حيوية يدرك الجميع أن الجيش يتولي عملية تأمينها وانه لن يكون بمقدوره الانسحاب من الموقف درءا لوقوع احتكاكات مع المتظاهرين أو مع بعض من يحاول الوقيعة بين الجيش والشعب من خلال الاندساس داخل المظاهرة وارتكاب أعمال البلطجة ضد المواطنين أو ضد المنشآت العامة أو ضد أفراد الجيش, لماذا لم تتوجه المظاهرة إلي ميدان التحرير باعتباره القلب النابض للمظاهرات والذي لا يخلو من الكاميرات التليفزيونية ليل نهار بما يقلل من احتمالات الصدام بين الجيش أو قوات الشرطة والمتظاهرين. ليس الهدف من طرح مثل ذلك التساؤل التشكيك في نوايا الاخوة الأقباط في توجيه مظاهرتهم باتجاه ماسبيرو ولكنه دعوة للتروي بعض الشيء وتحكيم العقل في تلك المرحلة التي تمر بها مصر, ودعوة أيضا لأخذ الدروس من المحاولات السابقة التي حاول فيها المتظاهرون نقل التظاهر إلي ميدان العباسية حيث مقر الأمانة لوزارة الدفاع. فرصيد القوات المسلحة لدي عموم المصريين رصيد كبير ولا يمكن الاستهانة به, هذا الرصيد مبني علي مواقف القوات المسلحة من الثورة والمواطنين علي الأقل خلال فترة الثمانية أشهر الماضية, هذا الرصيد تعكسه استطلاعات الرأي العام المتواترة التي يجريها مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية في ارتفاع مؤشر الثقة في المجلس الأعلي للقوات المسلحة ليصل إلي89,8% من المصريين يثقون فيه, أما ثقتهم في انه يعمل بجدية سواء لنقل السلطة إلي المدنيين أو توفير الظروف الملائمة لنقل مصر إلي دولة ديمقراطية أو جديته في إجراء انتخابات حرة نزيهة أو جديته في محاسبة رموز النظام السابق, فان ثقة المصريين لم تقل بشأن أي مجال عن90% بل ووصلت إلي100% تقريبا بشأن جدية المجلس في نقل السلطة إلي سلطة مدنية منتخبة. وإذا كان ذلك كذلك يصبح من المنطقي تصور أن الشعب بأغلبيته لن يقبل تحديا علي القوات المسلحة والنيل منها, وهو الأمر الذي يشير إليه خروج الأهالي سواء في موقعة العباسية أو في موقعة ماسبيرو الأخيرة للتعامل مع المتظاهرين وإذا كانت محاولات الجماهير قد نجحت في الحيلولة دون تورط الجيش في صدام مع المتظاهرين في العباسية, فانها فشلت في ذلك في موقعة ماسبيرو, حيث يرابط الجيش لحماية هذا المبني الحيوي للغاية ولم يكن يفصله فاصل عن المتظاهرين فسهلت مهمة الوقيعة بين الطرفين, رغم الدرجة العالية من ضبط النفس التي تتحلي بها القوات المسلحة والعقيدة الثابتة بعدم اطلاق النار علي المتظاهرين والأوامر المشددة بعدم استخدام الذخيرة الحية. الذعر الذي سيطر علي المصريين في أعقاب موقعة ماسبيرو يؤكد أن مصر لم تعد تحتمل مزيدا من الخسائر والمواجهات, وحيث أنه لا يمكن المطالبة بمنع التظاهر فعلي الأقل لابد من التفكير في تقنين التظاهر, وحتي يحدث ذلك فلابد من اتخاذ قرار ليس من المجلس العسكري فقط بل من كل القوي السياسية بضرورة منع التظاهر أمام المنشآت الحيوية التي يتولي الجيش حمايتها حتي نقلل من احتمالات المواجهة بين الجيش والشعب بكل ما تنذر به من خطر علي هذا الوطن. وإذا لم يحدث ذلك فعلي الأقل لابد أن يتحمل المتظاهرون مسئوليتهم في تأمين مظاهراتهم من اندساس البلطجية أو من يسعون لتخريبها, ولا يكفي هنا التعويل علي أن من دور الدولة بأجهزتها الأمنية حماية المظاهرة, فالدولة لديها ما يكفيها من مهام غير قادرة حتي الآن علي القيام بالجزء الأكبر منها. وإذا كنا نطالب أنفسنا بتحمل شيء من تلك المسئولية, فلا حرية من دون تحمل للمسئولية, وعندما تكون الدولة علي المحك فلا معني لأية معارك أخري مهما تكن أهميتها لأصحابها. حمي الله مصر لنا جميعا.