كشف تقرير صادر عن وزارة التربية والتعليم عن أن هناك10 آلاف و297 قرية مصرية تمثل24,5 % من إجمالي القري والتوابع في مصر محرومة من مدارس التعليم الأساسي. وأن35,9% من إجمالي المدارس تزيد فيها كثافات الطلاب علي الأعداد المقررة وأن14,2% من المدارس الحكومية تعمل بنظام الفترات وأن مصر تحتاج إلي232 ألف فصل دراسي جديد تتكلف51 مليارا و167 مليون جنيه, خاصة وأن أقرب مدرسة تبعد بنحو2 أو3كيلو مترات, الأمر الذي أدي إلي وجود نسبة كبيرة من التسرب من التعليم التي تمثل أحد منابع الأمية الرئيسية في مصر خاصة الصعيد وتعليم الفتيات. في البداية يقول الدكتور طارق الحصري مساعد أول وزير التربية والتعليم إن الوزارة قامت بعمل مسح شامل لمشاكل التعليم في مصر وعلي رأسها مشكلة الأماكن المحرومة من التعليم بالكامل خاصة وأن هناك العديد من المناطق لا توجد بها مدرسة ابتدائي وأن أقرب مدرسة تبعد بنحو2 أو3 كيلو مترات وبالتالي تزداد نسبة الأمية نظرا لعدم توافر بديل آخر, كما أن نسبة الكثافة عالية حيث تصل إلي نحو80 و90 طالبا في الفصل الواحد خاصة في الجيزة وذلك بسبب عدم توافر أراض لبناء مدارس عليها, لكن المشكلة الأكبر تكمن في أن نسبة35% من المدارس وخاصة في المحافظات تعمل بنظام الفترتين وبالتالي تكون النتيجة أماكن محرومة من المدارس والتعليم. ويوضح أن الوزارة قامت بمضاعفة ميزانية الأبنية التعليمية عن العام الماضي إلي2 مليار جنيه, فضلا عن تخفيض30% من تكلفة المبني المدرسي, بالإضافة إلي زيادة الميزانية لبناء أكبر عدد من المدارس في الأماكن المحرومة, فضلا عن التوسع في بناء مدارس الفصل الواحد والصديقة للفتيات في الأماكن التي لا تحتاج إلي مدارس كبيرة, وتم فتح شراكة مع بعض الشركات من خلال وجود مدرسة داخل مصنع لتوفير مبني مدرسي بالكامل. وطالب بالانفتاح علي المجتمع المدني وأهمها مصر الخير بحيث يتم وضع المناطق المحرومة من التعليم ضمن أنشطة الجمعية وأولويتها, مؤكدا أن المشكلة ترجع إلي المجتمع وليست الوزارة, مطالبا بالتكاتف لسد منابع الأمية في قري ونجوع مصر بأكلمها. ويعلق الدكتور أحمد يحيي أستاذ علم الاجتماع السياسي قائلا إن التعليم هو المحور الأساسي للتنمية في أي مجتمع, خاصة وأن تقدم المجتمعات يقاس بمدي قدرتها علي تحقيق مستوي متميز من التعليم والبحث العلمي, لكن ذلك يتمثل في رصد الميزانيات الكبيرة وتوفير الامكانات اللازمة للقضاء علي الأمية والاهتمام بالتعليم الأساسي في المجتمع, غير أن هذه القضية تواجه مشاكل عديدة في مصر تتناسب تناسبا عكسيا مع الظروف الاقتصادية والثقافية والاجتماعية و يظهر هذا بوضوح في مشكلة التسرب من التعليم, ويزداد الأمر سوءا في القري والنجوع وفي صعيد مصر بسبب الظروف الاقتصادية القاسية التي يتم من خلالها استخدام الأطفال في العمل للحصول علي موارد مالية تساعد في مصروفات الأسرة, بالاضافة الي أن التعليم أصبح لا يحقق المردود المالي والاجتماعي للأسرة خاصة للفتيات مما يؤدي إلي عدم الاهتمام بقضايا تعليمهن بسبب الثقافة السائدة في بعض القري والنجوع التي تنظر إلي البنت علي أن مصيرها للزواج وأن حرفة الولد أفضل من الشهادة, لكن الأمر يحتاج إلي مناقشة من جانب آخر. ويوضح أن العملية التعليمية عبارة عن مداخلات ومخرجات حيث تتمثل المدخلات في4 عناصر أساسية هي الادارة المدرسة والمنهج والمعلم والمبني فإذا تم الاهتمام بهذه المدخلات اهتماما متميزا أصبحت هناك فرصة حقيقية للقضاء علي التسرب من التعليم خاصة وأن الدراسات العلمية أكدت أن من أهم أسباب التسرب من التعليم هو سوء معاملة المعلمين للأطفال في مرحلة التعليم الأساسي وعدم وجود مردود علمي يفيد اكتسابهم أي مهارات علمية أو ثقافية فضلا عن أن المناهج الموجودة التي ليس لها أي علاقة بالواقع الحالي, بالاضافة إلي سوء الادارة المدرسية بما تسببه من سب وقذف وإهانة للطلاب مما يشكل فرصة حقيقية للتسرب أو كراهية الدراسة, وحالة المدرسة والفصول والتكدس ودورات المياه وعدم وجود مراكز للهوايات, وبالتالي فإن المدرسة أصبحت لا تمثل عنصرا جاذبا للطالب, فضلا عن النجاح التلقائي وعدم تقييم أداء العملية التعليمية. ويري ضرورة مشاركة الجمعيات الأهلية والمجتمع المدني وخريجي الجامعات في المناطق المحرومة من خلال إقامة ما يعرف بمدارس الفصل الواحد للمساهمة في نشر التعليم مع علاج كل أسباب القصور حتي يمكن توفير تعليم متميز لأبناء القري والريف خاصة وأن الأمر يحتاج إلي تنظيم أكثر من قرارات. ويري الدكتور فتحي الشرقاوي أستاذ علم النفس السياسي بجامعة عين شمس أن هناك عدة أسباب وراء التسرب من التعليم وهي نوعان الأول هو التسرب بعد فترة معينة من الدراسة ويرجع ذلك إلي سوء التواصل الانساني مع التلاميذ داخل المدرسة من قبل استخدام العنف والعدوانية مع الأطفال وبالتالي فإن المدرسة تمثل لهم عنصرا طاردا وليس جاذبا وذلك بسبب سوء التأهيل التربوي للمعلمين وعدم قدرة الإدارات المدرسية علي كيفية التعامل الإيجابي مع الأطفال في هذه المراحل العمرية, فضلا عن تردي أساليب التدريس واعتمادها علي أساليب غاية في التقليدية( الحفظ والتلقين) مما يجعل الأطفال الصغار الذين تنشط لديهم ملكة الاستطلاع وحب الاستكشاف إلي كراهية المناهج الدراسية بالتالي عدم التكملة في المراحل اللاحقة إلي جانب سوء التعامل بين التلاميذ بعضهم البعض, الأمر الذي يؤدي إلي الشلالية التي من الممكن أن تدفع ببعض التلاميذ إلي الوقوع ضحايا لبلطجة زملائهم يساعد في تشكيل إتجاه سلبي تجاه المدرس ومن ثم التسرب المبكر, طبيعة العلاقة التي تجمع التلاميذ في هذه المرحلة من حيث تشابه خصائصهم السلوكية فالتلميذ الذي ينتمي إلي جماعة تحترف الهروب من المدرسة وعدم حضور الحصص سليجأ بالتالي إلي التسرب المبكر من المدرسة, بالإضافة إلي الاتجاهات السلبية لأسرة الطفل وعدم حثها لهم علي تنمية الاتجاهات الايجابية نحو المدرسة والمدرسين والتعليم. أما بالنسبة للنوع الثاني فيقول إنه ينتشر في الفتيات أكثر من البنين تحت شعار أن الفتاة مصيرها المنزل كزوجة وأم وبالتالي لا جدوي من ذهابها للمدرسة أو تلقيها للعلوم والمعارف, لكن الاهتمام بالبنين كان نتيجة للاعتقاد الخاطيء بأنهم عدة المستقبل كأيدي عاملة اقتصادية وبالتالي فلاجدوي في ذهابهم إلي المدرسة منذ البداية لأنهم سيساعدون في الارتقاء الاقتصادي للأسرة مثل الاعتماد عليهم في الفلاحة وجني القطن وفي بعض الورش ذات الحرف البسيطة كالنجارة والحدادة. ويري أن السبب الحقيقي في هذه المشكلة يرجع إلي عدم وجود حلول فعلية خلال النظام السابق فضلا عن اعتماد المستثمرين علي إنشاء المدارس الأجنبية والتي كانت سائدة في العهد البائد, بالإضافة إلي فكرة التمييز العنصري وتفوق فئات من المجتمع علي غيرها ممن يمتلكون المال والسلطة.