ينعي صاحب كف مريم والأزمنة والحب والزمن الروائي السكندري المعروف سعيد سالم ببالغ الحزن والأسي محبوبته التي قتلها الطمع والجشع والغباء يقول: أمشي في شوارعها, وأسير في دروبها وأزقتها, وأتذكر مواقع الجمال الغابر, وأتحسر علي زمن كانت الإسكندرية فيه عروسا بحق, لم تشوهها العشوائيات, ولم تنل منها القرارات المدمرة, يخفق قلبها فنا وأدبا, وتصفق يداها مرحبة بكل شعوب الدنيا, لتتحول في سنوات قليلة من أجمل وأغني مدن العالم إلي مدينة شائهة قبيحة.. الروائي سعيد سالم الكاتب السكندري احتفلت الإسكندرية بميلاده السادس والسبعين, فهو من الكتاب القلائل الذين عاشوا في المدينة التاريخية,وأبوا أن يغادروها, وعندما سافر في منحة لمدة أربعة أشهر لم يحتمل وعاد سريعا, ووعدها بألا يفارقها بعد ذلك أبدا.. يقول في حواره ل الأهرام المسائي: أعشق الإسكندرية وبحر الإسكندرية وهوا الإسكندرية وأزقة الإسكندرية وضيع الإسكندرية.. وأخر رواياتي بعنوان صعاليك الأنفوشي. سعيد سالم يكتب ويتحدث ويعمل وكأنه شاب دون العشرين عاما, مازال لديه الأمل في العمل والدأب والإبداع من جديد, بعد أن أنتج خلال مشواره35 عملا إبداعيا22 رواية و11 مجموعة قصصية وعشرات من المسلسلات الدرامية وكتابين في النقد.. نجيب محفوظ الإنسان.. الإسكندرية قبل25 يناير وهو كتاب عن كل الكتاب السكندريين شعراء وروائيين صدر في2010, وكافأته الدولة في2013 بجائزة الدولة التقديرية عن مجمل أعماله الإبداعية. عندما قرأ نجيب محفوظ رواية بوابة مورو للروائي السكندري الشاب سعيد سالم في شتاء1978 كتب يقول: من حسن الحظ أنني تمكنت من قراءة بوابة مورو, وأشهد بأنها جذبتني بسحر لاشك فيه, وأسلوبها ينبض بالحياة والتلقائية, وإني أهنئك عليها وأعتبرها من آيات البشري ببعث الحياة الثقافية التي لم يعد لها من عماد إلا حماس بعض الشبان أمثالك من أدباء مصر العزيزة.. أما المبدع يوسف إدريس فكتب في صيف1982 وقت أن أعلن عن فوز الكاتب الإسرائيلي يوسف عجنون بجائزة نوبل للآداب: سعيد سالم هو ابن الإسكندرية الذي دخل المسرح الأدبي دخول العاصفة, والذي أتوقع أنه سيظل يثير من حوله تلك العواصف الخلاقة, وأنا قرأت أعماله الروائية الثلاثة جلامبو وبوابة مورو وعمالقة أكتوبر وكنت سعيدا بها جدا, وسعيد سالم أقل الكتاب تأثرا بي, فله استقلاله الفني وله طريقته الخاصة وله مدرسته في الكتابة.. إن قصص سعيد سالم أحسن من قصص يوسف عجنون مليون مرة.. وطلب منه ألا يغادر مدينته, ويبقي هو حارسها, وكاتب عقدها الاجتماعي. رواية المقلب وموضوعها مقلب قمامة, فسرها الدكتور حامد أبو أحمد بأن البلد كانت في هذا الزمن مقلبا للقمامة يعيث فيها المجرمون فسادا.. وتأتي رواية الشئ ألآخر وهي أيضا رواية تحض علي الثورة, وكان أسمها العجز والدنس, ولكن وجدت أن العنوان مباشر, فغيرته إلي الشيء الآخر. لكن لماذا بقيت في الإسكندرية ولم تستمع للنداهة وتأتي إلي القاهرة مثل بعض الكتاب السكندريين الآخرين؟ هذا أمر راودني كثيرا وألح علي مرات ومرات خاصة عندما ذهب إبراهيم عبد المجيد ليستقر في القاهرة, وبدأت أنشر في الدوريات الثقافية المختلفة; ثم كان أن قابلت الدكتور يوسف إدريس, وأخبرته عن عزمي الانتقال إلي القاهرة, فما كان منه إلا أن رفع صوته يحذرني قائلا: إياك والمجيء للقاهرة, فإن جئت فلن تكتب هذا الأدب الذي تكتبه الآن, وهو الوحيد الذي حذرني من المجيء للقاهرة, وعندما كتبت رواية بعنوان جلامبو حولتها لمسلسل بعنوان رجاله من بحري بطولة الفنان الكبير محمود مرسي ولما عرف أني مقيم بالإسكندرية قال لي: هات شنطتك وتعالي, ماذا تفعل في الإسكندرية, والنصيحة نفسها قالها لي الفنان الكبير محمود عبدالعزيز وكان من أصدقائي المقربين, وطلب مني قبل فيلم الكيت كات, أن أكتب له دور شخص أعمي, حتي عثر علي رواية مالك الحزين للروائي الكبير إبراهيم أصلان, وطلب مني أن أجئ إلي القاهرة...ولم يكن في استطاعتي أن أترك مهنتي كمهندس في الإسكندرية, ولم يكن من السهل أن أترك أسرتي ووظيفتي وأذهب للقاهرة, فضلا عن أني أعشق الإسكندرية بحرها وأزمتها وأخر رواياتي صعاليك الأنفوشي وهي أطول رواية كتبتها, وهي تعبير حقيقي عن أهل الإسكندرية ولغتهم وسلوكياتهم, وأصدرتها هيئة الكتاب في معرض الكتاب الأخير.. وفيها حزني العظيم علي الإسكندرية بعد أن دمرها أعداء الجمال فحولوا المدينة إلي عشوائيات, وهدموا الفيلات التاريخية وأقاموا مكانها العمارات والأبراج التي شوهت وجه المدينة وحولته إلي مسخ بشع, فأردت أن أمسك باللحظة وأرسم صورة الإسكندرية الحقيقية للأجيال في المستقبل.. هل من الممكن أن نطلق علي سعيد سالم لقب الكاتب السكندري؟ أبدا, لا أحب التصنيفات ولا التقسيمات التي يطلقها البعض, بل أؤمن فقط بأن هناك أدبا جيدا, وأدبا غير جيد, أما مقولة الأدب النسائي والأدب الشبابي, وأدب البحر وأدب المدينة وأدب القرية, فتلك تقسيمات أطلقها البعض ويريد الباطل من ورائها, وأذكر أنني التقيت بالكاتب الشاب أحمد مراد في ندوة بالشارقة وقرأت رواياته وأعجبت بكتاباته, وشخصيته الجميلة, وكتابات الجيل الجديد مختلفة عن كتاباتنا, ووجهت له سؤالا وقلت له: أنا كاتب معروف ولي أكثر من35 عملا روائيا وقصصيا, إلا أني ليس لي شهرتك, فكيف حصلت علي هذه الشهرة التي لم يحصل عليها نجيب محفوظ, وأقول إنهم جيل مختلف, ولهؤلاء الشباب لغتهم التي قد نعدها نحن شيوخ الكتاب بذيئة في كثير من الأحوال, مثل انجز.. اظرف.. فلسع.. ولع.. ولما حولت رواية المقلب لمسلسل أسندت كتابة السيناريو لشاب, لم يستطع عمل شيء, لأن لغة الجيل الحالي مختلفة عن جيل الشباب.. وأكتب الآن رواية بعنوان أمة لا تستحي وهي مستوحاة من قصيدة الشاعر العراقي أحمد النعيمي الذي أعدموه لأنه كتب قصيدة بعنوان أمة لا تستحي, والرواية عن المثقفين العرب الذين خانوا رسالتهم وخانوا قضيتهم وخانوا القارئ, وكانوا أدوات للمستبد وسببا حقيقيا لعجز الشعوب عن الإمساك بحريتها..