تتعرض الدولة المصرية, منذ أغسطس2012, لواحدة من أعنف الموجات الإرهابية في تاريخها المعاصر, بدأت بمجزرة قتل الجنود المصريين في رفح المصرية, والتي تعرف إعلاميا بمجرزة رمضان, وراح ضحيتها ما يقرب من16 شهيدا من قوات الأمن المصرية, ووصلت تلك الموجهة الإرهابية إلي أعلي مستوياتها خلال عام2015. حيث وصل مجمل العمليات الإرهابية خلال هذا العام ما يقرب من594 عملية إرهابية, وبهذا يحتل عام2015 المقدمة خلال السنوات الأربع, منذ يوليو2013 وحتي أكتوبر2017, بأكبر نسبة من عدد العمليات الإرهابية فقد وقعت في شهر يناير2015(124) عملية عنف مسلح, ثم حدث انخفاض طفيف لتصل إلي105 في فبراير من العام نفسه, ثم بلغت ذروتها في مارس2015 بواقع125 عملية, بينما انخفض عدد العمليات بشكل تدريجي منذ شهر أبريل2015 الذي بلغ عدد العمليات فيه72 عملية, ثم حدث انخفاض آخر في شهر مايو2015 الذي شهد63 عملية, حتي يونيو2015 الذي شهد انخفاضا كبيرا في العمليات لتصل إلي23 عملية فقط. في شهر يوليو2015 عاودت العمليات الارتفاع مرة أخري لتصل إلي41 عملية, وذلك قبل أن يعود المسار للانخفاض مرة أخري ليصل إلي27 عملية في أغسطس2015, ثم الوصول لأدني مستوي لها علي الإطلاق في شهر نوفمبر2015 الذي شهد وقوع5 عمليات فقط, بينما شهد شهر ديسمبر9 عمليات إرهابية, ومع بداية عام2016 بدأت تنحسر العمليات الإرهابية بشكل كبير مقارنة بعام2015, وانحسرت أغلب العمليات الإرهابية في سيناء مع تراجع في عدد العمليات الإرهابية في العمق المصري; الوادي والدلتا, وبنهاية عام2016 وبداية العام الجاري2017, حدث تحول نوعي في تكتيكات وإستراتيجية التنظيمات والعناصر الإرهابية من حيث طبيعة المستهدف والأدوات المستخدمة في العمليات الإرهابية, تزامن مع تطور إستراتيجي لدي قوات الأمن المصرية وهو ما يمكن تحليله علي النحو التالي: أولا: تكتيكات التنظيمات الإرهابية خلال عام2017: تراجع في استهداف المنشآت الاقتصادية والبنية التحتية للدولة خلال العام الجاري2017 مقارنة بأعوام(2016/2015/2014) ويرجع ذلك لنجاح القوات الأمنية في حصر نشاط التنظيمات الإرهابية الجديدة العاملة في الوادي والدلتا نموذج( حسم ولواء الثورة والعقاب الثوري.. إلخ) وتركيز التنظيمات الإرهابية التقليدية( بيت المقدس والمرابطون والدولة الإسلامية في مصر) علي استهداف ارتكازات وعناصر قوات الأمن, التي تعتبر من وجهة نظر تلك التنظيمات الإرهابية المستهدف الأول. واعتمدت التنظيمات والعناصر الإرهابية خلال عام2017, علي إدخال مستهدف جديد, وهم المواطنون المسيحيون وبعض المسلمين, وهو ما دفع تلك التنظيمات لاستهداف أربع كنائس مصرية وبعض المواطنين المصريين من المسحيين والمسلمين. هذا التحول النوعي في إستراتيجية وتكتيك تنظيم( بيت المقدس) وبعض التنظيمات التابعة لتنظيم داعش بمصر خلال عام2017 يأتي في نطاق عمليات إحداث فوضي وارتباك مجتمعي طبقا لإستراتيجية داعش, وليس في نطاق عملية التمكين, فالحديث عن العنصر الثالث من استراتيجية تنظيم داعش وهو( التمكين) أصبحت مستحيلة الحدوث ليس فقط لفشل التنظيم في تحقيقها في1 يوليو2015, حيث سعي تنظيم بيت المقدس في1 يوليو2015 إلي السيطرة علي بعض المؤسسات التابعة للدولة في منطقتي الشيخ زويد ورفح بالتزامن مع الهجوم علي ما يقرب من15 ارتكازا وموقعا أمنيا( عسكريا وشرطيا) وهو ما قوبل بالرد من قبل قوات الجيش المصري ما أسفر عن هزيمة لتنظيم بيت المقدس ليس في نطاق المعركة بل فشل لتحقيق المرحلة الثالثة من إستراتيجية داعش وهي عملية( التمكين) كما حدث مع التنظيم المركزي في سوريا والعراق, وهو ما دفع تنظيم بيت المقدس لاستخدام مفهوم حرب العصابات الكر والفر, والاعتماد المتزايد من قبل تنظيم بيت المقدس والتنظيمات الإرهابية الأخري علي تكتيك( الانغماسية) و(الانتحارية), كعنصر حاسم في تحقيق أهداف العمليات الإرهابية, وهو ما ظهر في أغلب العمليات الإرهابية التي شهدتها سيناء خلال عام2017, هذا الاعتماد المتزايد علي( الانغماسيين والانتحاريين), يأتي في إطار إحداث الفوضي والارتباك وليس التمكين. ثانيا: ارتفاع نسبة غير المصريين في التنظيمات الإرهابية: شهدت بنية التنظيمات الإرهابية تحولات عدة خلال عام2017 من حيث آليات الاستقطاب والهيكلة التنظيمية, باعتماد تلك التنظيمات علي بعض العناصر غير المصرية بقيادة التنظيم, وقد تزامن هذا التحول في بنية التنظيم مع نجاح الدولة المصرية خلال عام2017 في استهداف العديد من قيادات التنظيمات الإرهابية وخصوصا تنظيم( بيت المقدس) في سيناء حيث استهدف مسئول تنظيم( بيت المقدس) أبو أنس الأنصاري, وهو ما دفع تنظيم داعش المركزي للدفع بأحد العناصر غير المصرية لقيادة التنظيم في سيناء وهو( أبو هاجر الهاشمي), حيث تشير بعض التحليلات لكونه عسكريا عراقيا سابقا وهي المرة الأولي التي يتولي قيادة تنظيم بيت المقدس أحد العناصر غير المصريين, هذا الأمر فتح المجال لمزيد من استقطاب عناصر غير مصرية للانضمام للتنظيم, وبتحليل بعض العناصر التي تمكنت قوات الأمن المصرية من استهدافها أثناء المواجهات تناقلت بعض المواقع القريبة من تنظيم بيت المقدس الإرهابي بعض الأسماء غير المصرية التي قتلت ومنها اسم الإرهابي معاذ القاضي والإرهابي خليل الحمايدة بجانب بعض الأسماء الأخري وهي عناصر غير مصرية. ويأتي الاسمان السابقان وهما عنصران من تنظيم داعش بقطاع غزة, وبمتابعة مجمل العمليات الإرهابية التي حدثت في سيناء وما يتم الإعلان عنه من عناصر تم قتلها أثناء المواجهة أو قيامها بعملية إرهابية نجد ارتفاعا ملحوظا في عدد العناصر غير المصرية وبعضها من قطاع غزة, بل وصل الأمر لبعض العناصر المنشقة من تنظيم عز الدين القسام الجناح العسكري لحركة حماس, وانضمام بعض العناصر من السلفية الجهادية التي تتمركز بين سيناء وقطاع غزة, تلك العناصر الوافدة والمنشقة عن تنظيم عز الدين القسام تري في حركة حماس أنها اصبحت صورة من حركة فتح, ولا فرق بين خالد مشعل وإسماعيل هنية وبين أبو مازن, وأن حركة حماس لا ترغب في مواجهة إسرائيل علي الرغم من إعلان حماس رفضها( لأسلو ومدريد) إلا أنها أصبحت جزءا من اتفاقيات التسوية من وجهة نظرهم, وهو أحد الأسباب لانشقاق بعض العناصر من عز الدين القسام وانضمامهم لتنظيم بيت المقدس فخلال المرحلة السابقة اعتقلت حماس الإرهابي عبد الواحد أبو عذرة(20 عاما) من مدينة رفح الفلسطينية بتهمة الانضمام لتنظيم داعش ويعتبر أبو عذرة واحدا من المقاتلين في وحدة الكوماندوز البحرية في حركة حماس, وتم إطلاق سراح أبو عذرة بعد فترة نتيجة تهديد تنظيم بيت المقدس في سيناء لحماس بتنفيذ عمليات ضدها, بجانب تهديد الأعضاء المنتميين لداعش بقطاع غزة لحماس, وهو ما دفع حماس لإطلاق سراح عبد الواحد أبو عذرة, وهو شقيق( مفلح أبو عذرة) القيادي في تنظيم بيت المقدس الذي تم إعلان مقتله خلال المواجهات مع الجيش المصري قبل عام ونصف العام, حيث انتقل الإرهابي عبد الواحد أبو عذرة لسيناء وانضم لتنظيم بيت المقدس في بداية العام الماضي, ويأتي اسم عبد الهلال القشطة الإرهابي الذي قتل في غارة جوية مصرية علي أحد معاقل بيت المقدس بسيناء خلال الفترة الماضية ويعتبر عبد الهلال القشطة عضوا كبيرا في كتائب عز الدين القسام قبل إعلان انشقاقه عن حماس وانضمامه لتنظيم بيت المقدس ويأتي اسم أبو مالك أبو شويش مساعد قائد الجناح العسكري لحركة حماس ليعلن انفصاله عن التنظيم وانضمامه لتنظيم بيت المقدس, وبعمل حصر لعناصر القسام الذين أعلنوا انشقاقهم عن حماس وانضمامهم لتنظيم بيت المقدس وهم, بإضافة ما تم طرحه: طارق بدوان وهو أحد أفراد النخبة بكتائب عز الدين القسام وانضم لتنظيم بيت المقدس وتم قتله في17 ديسمبر الماضي, ومحمد أبو سنيمة أحد منفذي هجوم كرم القواديس, رشاد أبو سنيمة أحد منفذي هجوم كرم القواديس, حسن الجميثني أحد منفذي هجوم كرم القواديس.. تلك العناصر ذات التدريب العالي بجانب تواجد بعض العناصر المفصولة من قبل الأجهزة الأمنية المصرية أعطت دفعة قوية لتنظيم بيت المقدس من حيث التدريب والتأهيل والتنوع القتالي, وخصوصا القدرة علي استخدام الصواريخ والعبوات الناسفة وتجهيز السيارات المفخخة. وهو ما يجعل من خطر العائدين من داعش في سوريا والعراق إلي مصر واحدا من أهم الملفات التي يجب علي الدولة المصرية مواجهتها لكونها عاملا حاسما في قدرة الدولة علي مواجهة التنظيمات الإرهابية في مصر, هذا الملف( العائدون) يمكن أن نطلق عليه الملف الأبرز والأهم علي إستراتيجية مواجهة الإرهاب خلال عام.2018 في المجمل حدث انخفاض في عدد العمليات الإرهابية بمصر خلال عام2017 مقارنة بأعوام2016/2015/2014 وخصوصا في العمق المصري; الوادي والدلتا, حيث تراجعت العمليات الإرهابية في محافظاتالقاهرة الكبري والإسكندرية, مع انحسار أغلب العمليات الإرهابية في مساحة محدودة بمحافظة شمال سيناء.