حينما نتحدث عن التنمية الاقتصادية في أي دولة, فإننا يجب أن نتحدث عن ارتفاع معدلات الإنتاج, وحينما نتحدث عن معدلات الإنتاج فإننا يجب ألا نغفل الإبداع والابتكار في الإنتاج, بالتأكيد علي عنصر الكفاءة الإنتاجية. فكلما كانت المنتجات مبتكرة, وتتمتع بالكفاءة الإنتاجية انعكس ذلك علي مبيعات المنشآت الإنتاجية وزيادة دخلها نتيجة الإقبال علي منتجاتها المتميزة, وذلك في كلا السوقين الداخلية والخارجية, ومن ثم ترتفع حصيلة الناتج الإجمالي للدولة ككل. فمن الممكن أن تنتج الدولة الكثير, ولكن انخفاض جودة منتجاتها وعدم تميزها الإبداعي سينعكس بالسلب علي ناتجها الإجمالي, بمعني أن منتجاتها لن تجد لها سوقا داخلية أو خارجية, وسيعتمد المواطن في تلك الدولة علي المنتجات المستوردة نتيجة زيادة كفاءتها وجودتها, وطبيعي ألا تجد لها سوقا تصديرية. ألم نتساءل عن السبب الرئيسي لانخفاض الجودة والإبداع في منتجاتنا؟ الإجابة تكمن في انخفاض جودة تعليمنا خاصة التعليم الأساسي والتعليم الفني. وهو ما أكدته التقارير الدولية التي تقوم بتقييم كل النقاط المؤثرة علي تنافسية الدولة, وبالطبع أهمها تنافسية التعليم, ودرجة اهتمام المناهج بدعم الفرص الابتكارية, وتحفيز الطلاب علي الإبداع. فإذا ما نظرنا إلي جودة التعليم في مصر, وتقييمه في أحد أهم التقارير الدولية, وهو تقرير التنافسية العالمية, نجد أن جودة تعليمنا الابتدائي تحتل المرتبة رقم133 من نحو137 دولة علي مستوي العالم شملها أحدث تقرير للتنافسية العالمية, وهذا يعكس درجة السوء التي ألمت بالتعليم الأساسي في مصر. كما لم يغفل التقرير إتاحة التدريب للعمالة وربط التعليم بسوق العمل, وفي هذا الشأن نجد أن مصر احتلت المرتبة رقم.135 وبالتالي نأتي في ذيل الأمم التي شملها التقرير في مجال التعليم الأساسي والفني. ويرجع السبب إلي عدم ربط مخرجات التعليم باحتياجات السوق, وضعف المعلومات المرتبطة بتوفير التدريب للعاملين. لا أريد أن تكون نظرتي للأمور قاتمة, كما أنني لا أحمل الحكومة الحالية الأعباء وحدها, لكن أحملها أهمية البدء في الإصلاح, فما أعنيه أهمية وجود رؤية واضحة لإصلاح تلك المنظومة, والتي تؤثر علي جوانب التنمية بصورة كبيرة, وتنعكس علي التنمية الاقتصادية بصورة خاصة. فما يهمني ويهم جموع المصريين, هو أن نشعر بالبدء في التحسن, والذي لن يتحقق إلا بإصلاح منظومة التعليم, فالتعليم هو الأساس, كما أن إصلاح منظومة التعليم كفيل بأن يحول النظرة السلبية لكثير من المصريين إلي إيجابية. لكن عادة تكون الخطوة الأولي هي أصعب الخطوات, لذا أري أن الخطوة الأولي في إصلاح منظومة التعليم خاصة الأساسي والفني, هو ربط مناهج التعليم بالفائدة العلمية والعملية التي يمكن أن تحققها تلك المناهج, فإذا ما نجحنا أن تكون كل معلومة يتم إدراجها في مناهجنا لها مردود ولها هدف مستقبلي, بشكل يساعد علي بناء القدرات العقلية والعلمية لأبنائنا, سنستطيع أن نطور من تلك المنظومة. فالسبب الرئيسي في نفور أبنائنا من الكتب الدراسية, هو شعورهم بعدم جدواها, أو أن المعلومات التي يتلقونها غير واقعية, أو قد لا يعرفون السبب من دراستها, لذا يلجأون إلي الحفظ, الحفظ بلا فهم, الحفظ دون هدف, الحفظ دون ترك مساحة للإبداع, أو قدرة علي الابتكار. وتكون النتيجة أننا نسهم في خلق أجيال بعيدة كل البعد عن متطلبات التنافسية العالمية, ونأتي في ذيل الأمم, بعد أن كنا نبراس العلم ومنبر العلماء, إلا أن الأمل مايزال قائما, وستحيا مصر, بعلم شبابها وإرادة شعبها وحكمة قادتها.