حين يحاول الإنسان أن يرشد غيره الي طريق يراه صوابا ويدعوه إلي حق يعتقد صحته قد يواجه في كثير من الأحيان بمواقف تستدعي جدالا لإثبات صحة رأيه وسلامة موقفه. والداعي الي الله تعالي أكثر من يتعرض لمثل تلك المواقف, وقد يقابل بمن يستفهمه أو يثير شبهة علي قوله أو يعترض عليه أو يتخذ رأيا يحاول الدفاع عنه, هنا ينبه القرآن أن واجب الداعية أن يسلك الجدال بالتي هي أحسن دون غيره ادع إلي سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين. والجدال بالتي هي أحسن يعني أن يصبر الداعي علي الآخرين وأن يحسن الانصات لرأيهم وأن يجتهد في إظهار الصواب عنده بصحيح الأدلة وواضح البرهان وأن يرد ما عند غيره من شبهة أو توقف, فإن خرج الأمر عن إطار قواعد الجدال الصحيحة وأصبح عنتا وعنادا أو انتهي من تأييد رأيه وأصبح الحوار دائرة لا خروج منها فواجب الداعي حينئذ أن يتوقف وينتظر لحالة أخري أملا في أن يجد الحق سبيلا إلي نفوس الناس. والقرآن الكريم يقول: ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن إلا الذين ظلموا منهم, واستثناء الظالمين هنا ليس من الجدال بالحسني بل من أصل الجدال نفسه, فإن المتعنت الظالم لا ينبغي ضياع الوقت معه فيما لا فائدة فيه. والذي يعيش علي ألا يخرج الجدال عن القسم المحمود أن يلتزم الطرفان بما يأتي. أولا: تحديد موضوع النقاش, فكثيرا ما تضيع الحقائق وتشوه الآراء ويتشعب الحوار لأن موضوع الجدال لم يتحدد بصورة دقيقة, فطرف يتجه في آرائه إلي معني لا يدركه الآخر ولا ينازع فيه إن ادركه. ثانيا: التواضع ولين الجانب وحسن الخلق فإنه مما يفتح القلوب ويهيئ العقول لقبول الحق وإدراكه. ثالثا: الموضوعية في العرض والدليل دون ميل أو هوي. رابعا: حسن الإنصات والإقبال, حتي ولو كان الداعي عالما بما سيقال, وحين جاء عتبة بن ربيعة يسأل النبي صلي الله عليه وسلم أن يترك دعوته في مقابل مال أو ملك أو غيره, استمع النبي إليه حتي انتهي ثم قال: أفرغت ياأبا الوليد, قال: نعم, قال: فاسمع مني, فقرأ عليه سورة فصلت ثم قال: قد سمعت ياأبا الوليد فأنت وذاك, فرجع يقول: لقد سمعت كلاما ما هو بالسحر وبالشعر إن له لحلاوة وإن عليه لطلاوة وإنه يعلو ولا يعلي عليه. خامسا: التوقف عن الجدال إذا خرج الأمر إلي إنكار البدهيات والشك في الضروريات والتلاعب بالألفاظ. سادسا: تذكر الثواب العظيم من الله تعالي, وحسن عاقبة الداعي الي الله علي بصيرة, والاقرار بأن مهمة الداعي كمهمة الأنبياء وهي البلاغ والبيان قال تعالي: ليس عليك هداهم ولكن الله يهدي من يشاء, وقال سبحانه ياأيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم.