تثور بين الحين والآخر بعض الدعاوي التي تتدثر بثوب الاستنارة تارة أو بالحث علي التفكير تارة أخري انطلاقا من الحرص الظاهري علي عدم الإنسياق بالقبول لما يسمي بثوابت الأمة لا سيما التاريخية منها والدينية. وعلي الرغم من تناثر الاتهامات عبر وسائل الإعلام المختلفة لا سيما فيما يتعلق بالتخوين والعمالة لأسباب باتت معظمها شخصية. ورغم تكرار الطرح من ذات الشخوص أو الكيانات في الأغلب الأعم فإنني أقف عند الظاهرة بالربط بينها وبين بعض الهزات المجتمعية وعلي رأسها بالطبع ذروة سنام المآسي وأعني به الإرهاب. فما من شك أن قضية الثوابت وإن بدت في ظاهرها حالة استاتيكية قد تعوق تقدم المجتمع في نظر البعض إلا أنها تمثل في رأيي إحدي الضمانات للاستقرار المجتمعي ورسوخه القيمي. بمعني أن قضايا الأخلاق والتمسك بالقيم الدينية لا يمكن أن تخضع للاختيار المجتمعي قبولا أو رفضا, ولكن نسبية التناول في بعض جوانبها الخلافية سواء بحكم العادات والتقاليد أو للاختلاف الفقهي هي فقط ما يحتمل التناول بالنقاش من ذوي العلم. ومن هنا فإن عدم المساس في المطلق بشخوص تاريخية بعينها مسألة غير مقبولة فكريا, في مقابل أن يخضع التعامل معها إلي منهج نقدي موضوعي محايد ليبقي ما لها وما عليها جزءا من بنية المجتمع الفكرية والوجدانية. ومن ثم لا ينبغي التطاول في عنتريات مقيتة أو إقصاءات ترسخ للتوجه الأحادي مثل كتابات أنور الجندي التي سادت في أخريات السبعينيات ومطلع الثمانينيات, والتي دفعت بمحمد عبده والأفغاني وطه حسين وغيرهم إلي أتون العمالة الماسونية وغيرها بعدما وضعهم في ميزان الإسلام من وجهة نظره. ولم يفطن منا إلا من رحم ربي أن هذا الإقصاء كان يستهدف ألا يبقي علي الساحة سوي منظري الإخوان ومفكريهم كالبنا والأخوين قطب وعبدالقادر عودة مثالا لا حصرا. وما من شك أن الاستمرار بل والاستمراء في المساس برموز المجتمع فكرا وشخوصا كان من شأنه النفاذ إلي بنية الثقة بين أبناء المجتمع الناشئة ومفرداته التاريخية والقيمية, ولم يكن مستغربا أن تطفو بسفور علي السطح حالات الإلحاد والمثلية وغيرهما فضلا عن البلطجة والإرهاب. وهذا الأخير تحديدا الذي نصطلي بناره كل حين وعلي يد بعض المنتمين اسما لهذا الوطن إنما يمثل فيما أري حصادا منطقيا للمساس بكل ما درجنا عليه علي المستويات التعليمي والثقافي والاجتماعي والسياسي. فما من شك تحديدا أن ما تبنته مناهج التعليم لأهداف سياسية إنما يحسب عليها, حيث باتت الدراسات المناقضة وسيلة للتشكيك في معظم ما يدرس, وهو ما يجعلها تتحمل بعضا من هذه البلبلة علي كل الأصعدة. ولكن يبقي علي منافذ الإعلام المغرضة اللوم الأكبر فيما وصلنا إليه من تراشقات وتخوينات, ليصل الأمر إلي استنفار لجنة الشئون الدينية بمجلس الشعب لإعداد قانون لتجريم المساس برموز الأمة!, وهو خطر لو تعلمون عظيم. لأنه سيفتح بابا من أبواب محاكم التفتيش أربأ بمجلسنا التشريعي أن يخوض فيه, إذ أن المعني بإعداد الخطة لتجنب هذا المنزلق وتوابعه هم أساطين الفكر بكل أطيافه وخبراء التعليم والإعلام الحقيقيون الذين لم ولن تعدمهم مصر يوما, لكونهم صمام الأمان الحقيقي الكفيل باستعادة مصر نحو ذواتها وقدراتها الريادية.... لو أتيحت لهم الفرصة..!! (إشراقات السعدي142): من أسف أن حدة شفرة اللسان هي الأكثر حضورا والأرخص سعرا بين القواطع.