لم أكن يوما ممن يتشيعون للفوضي الخلاقة بوقفاتها الفئوية مهما كان حجم المطالبات ولا أيضا ممن يعلون من الحل الأمني كبديل سريع لأية مواجهات, مقابل القرار السلطوي الذي قد لا يسعف بإيقاعاته المتسارعة إصدار أوامر وتوجيهات قد تأتي بأثر معاكس. ومن هذا المنطلق تابعت مشكلة عمال المحلة وكل ما أخشاه أن يرجع طلعت حرب في هذه الظروف فيجدنا مع الفارق مثلما وجد والد دريد لحام حال الأمة العربية في رائعة محمد الماغوط كأسك يا وطن. والواقع فقد خرج علينا المسئولون من كل حدب وصوب يتناولون القضية التي باتت متمحورة في بضع مكتسبات مالية يتطلع إلها أبناء المحلة معبرين عن مكنوناتهم تارة بتغيير مكان الاعتصام وأخري أدواته التي بلغت حمل نعش باسم رئيس مجلس الإدارة!! والواقع فقد جاء حديث معالي وزير قطاع الأعمال مفعما بالثقة الهادئة غير المقنعة لكونها لم تخرج عن حديث الصباح والمساء الشهير إن جاز التعبير. وأعني به هنا التعلق بأهداب القضية دون جوهرها. وهنا أسأل سيادته متي ستفكرون بحق في وقف تلك العادات السخيفة ربيبة النداء الشهير المنحة يا ريس!. من رسخ في أذهان عمالنا ومواطنينا في بر المحروسة مسميات الإعانةو الحافز دون جهد وربحية الثواب والعقاب والانتخاب الطبيعي للكفاءات مقابل ما يسمي بالأولوية في التعيين لأبناء العاملين!!. من غض الطرف عن الأبعاد الاجتماعية لبيع القطاع الأعمال بعد تحويل طاقاته البشرية والمادية من قطاع عام إلي قطاع للبطالة لم يستفد منه سوي أهل الكافيهات, بجانب الروائح زاكمة الأنوف التي جعلت أصولنا ومقدراتنا المالية عرضا مستباحا. فهل نلوم أي تجمعات عمالية من خشية أن يفعل بها فاقرة, أو أن تواجه توازنات ليست في حسبانها, بعدما باتت معظم الوعود في أزمان اللامعيار واللاثقة تحتاج لإعادة بناء لا ترميم. لقد إانتفخت أوداج الحديث بشروط عن التشغيل يتحدث عنها معالي الوزير مغفلا التسويق; حسبما تحضرني الذاكرة هو له عندي أجيب له شغل, وأعطيه حافز إنتاج حال الزيادة.. كلام رائع, وماذا بعد؟؟ ليس له ما بعد, حال ضعف التسويق أو إعاقته.. إذن تستطيع معاليك أن تدفع ربحية خسارة حسب فهمي البسيط مع رفضي لها, فلم إذن كانت الضجة الكبري. أين منظومة الإنتاج المتكاملة التي تشجع العامل علي العطاء لا أن تحبط جهده لأن بقية مفردات المنظومة قد اعتراها الخلل. إنني أتناول معني الحل السياسي للقضايا العمالية عسانا نتعلم من التاريخ, إذ دائما ما يحضرني مثل لخير زعيمات التاريخ المعاصر مارجريت تاتشر عندما كانت رئيسة وزراء إنجلترا, عندما طالب عمال مناجم الفحم عن طريق نقابتهم بزيادة الأجر بما قدره ثلاثة أيام بحكم قسوة العمل والظروف الجوية. ولكونها سياسية وليست تكنوقراط فقد أولت القضية اهتماما واضعة في اعتبارها إمكانية حدوث مطالبات مهنية أو فئوية أخري. لتنهي الأمر بإقرار مطلبهم علي مدار ثلاث سنوات بواقع زيادة سنوية يوما واحدا. و لست أدري كم المطالبات بالمحلة الكبري وإلي ماذا وصل الأمر, ولكنني أقول علينا أن نخرج من سياسة الجيلي في أعطيات الدولة الإضافية التي لا قوام لها, إلي سياسة المحددات المتدرجة التي تتعلي من قيمة الأجر الفعلي مقابل العمل الحقيقي.. حتي لا تخرج من ثنايا القضية محلات أخري. (إشراقات السعدي132): من المآسي الكبري أن نكتشف أننا لسنا في مركب واحد أصلا, بل جميعنا يتعلق ببقايا أخشابه أملا في النجاة.