اختارت مصر أن تسلك الطريق الأصعب, ولكنه بلاشك هو القرار الأصوب. نعم نعاني من تداعيات الإصلاح الاقتصادي, فلا يستطيع أحد إنكار التضرر من الآثار الاقتصادية لتلك الإصلاحات. فدعوني أصف الإصلاح الاقتصادي بأنه كالدواء شديد المرارة, الذي يأخذه المريض, ولكنه علي يقين بأنه سيكون السبب في شفائه بإذن الله. فكلمة إصلاح اقتصادي لم تأت من فراغ, فحينما نقول إن مصر قد اتبعت برنامجا اقتصاديا إصلاحيا, فحتما كان هناك وضع اقتصادي يستلزم اتباع تلك الإجراءات الإصلاحية. دعونا نتساءل عن هذا الوضع الاقتصادي الذي بات يحتم علي مصر عدم التردد في اتخاذ تلك الإجراءات الإصلاحية طريقا؟ فلا يخفي علي أحد أن مصر قبل أحداث يناير كانت تمتلك36 مليار دولار احتياطيا نقديا, فهذا الاحتياطي النقدي من العملة الأجنبية أسهم في الوصول إليه حصيلة صادرات بلغت عام2010 حوالي30 مليار دولار, بالإضافة إلي عوائد من السياحة وصلت إلي عشرة مليارات دولار. وفي أعقاب أحداث يناير, تبدل الحال, فبدأت المصانع المصرية تغلق أبوابها, وظهر مصطلح المصانع المتعثرة, وهو ما أثر بلاشك علي انخفاض الإنتاج المحلي, ومن ثم ارتفاع معدلات البطالة إلي أكثر من13%, ومن الطبيعي أن ينخفض العائد من الصادرات المصرية إلي أقل من20 مليار دولار, وظهرت المؤشرات السلبية المصاحبة لصافي الاستثمارات الأجنبية, في إشارة واضحة لهروب الاستثمارات من مصر, كما انخفضت عوائد السياحة القادمة إلي مصر إلي ما دون الثلاثة مليارات دولار, وكل هذه المؤشرات السلبية هي رفيق درب لعدم الاستقرار الامني والاضطرابات السياسية التي أصبحت صبغة تميز تلك المرحلة. وكان من الطبيعي أن ينعكس ذلك بلاشك علي تدفق حصيلة النقد الاجنبي الواردة إلي مصر, لكن هل تساءلنا لماذا كل هذا الاهتمام بالعملة الأجنبية؟ الإجابة تكمن في أننا في حاجة إلي التدفقات النقدية من العملة الأجنبية لمواجهة احتياجاتنا الاستيرادية, فكلما ارتفعت الاحتياطيات النقدية من العملة الاجنبية, كلما خطونا إلي بر الامان الذي يضمن لنا حصولنا علي احتياجاتنا الاستيرادية. فنحن دولة تستورد سلعا غذائية تقترب قيمتها من حاجز العشرة مليارات دولار وربما تزيد, فنستورد قمحا بقيمة2.5 مليار دولار, ونستورد ذرة بقيمه1.5 مليار دولار, كما نستورد لحوم ودواجن بقيمة2.5 مليار دولار, بالإضافة إلي استيرادنا للبترول ومشتقاته بقيمة عشرة مليارات دولار, كما نستورد أدوية بنحو2.5 مليار دولار, حتي مدخلات الصناعة والسلع الوسيطة والآلات تحتاج إلي نقد أجنبي لتغطية احتياجاتها الاستيرادية والتي تقترب من6 مليارات دولار. وللوفاء بتلك الاحتياجات الاستيرادية تم السحب من الاحتياطي النقدي للعملة الأجنبية, ليصل إلي15 مليار دولار بدءا من عام2013, فبعد أن كان الاحتياطي النقدي يكفي احتياجاتنا الاستيرادية لأكثر من ستة أشهر, اصبح بالكاد يكفينا لشهرين أو ثلاثة علي أكثر التقديرات. ومن هنا دق ناقوس الخطر, والتفكير جديا في تطبيق الإصلاح الاقتصادي, فنحن علي يقين من أن المريض قد يعاني أعراضا مؤلمة في أثناء تلقية العلاج, فإذا كان العلاج علي يد طبيب ماهر, فحتما سيتحمل آلامه حتي يتحقق له الشفاء. لكن في كثير من الاحيان قد يلجأ إلي استشارة أطباء من الخارج, فإذا جاءته الإشادة فحتما سيطمئن, وسيعينه ذلك علي تحمل آلامه, أملا في الوصول إلي الشفاء, وهذا ما يحدث الآن مع الاقتصاد المصري, جاءتنا الإشادة الدولية من العديد من الجهات الدولية مثل البنك الدولي ومجلة الإيكونوميست. فلنطمئن فنحن علي الطريق الصحيح.