مما يعين المبتلي علي الصبر أن يستعين بالله تعالي ويلجأ إلي حماه فيشعر بمعيته سبحانه وأنه في حمايته ورعايته, ومن كان في حمي ربه فلن يضام ولذا قال موسي لقومه بعد أن هددهم فرعون بما هددهم به استعينوا بالله واصبروا, إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين. إذا لم يكن عون من الله للفتي فأكثر مايجني عليه اجتهاده ولعل حاجة الصابرين إلي الاستعانة بالله تعالي والتوكل عليه هي بعض أسرار اقتران الصبر بالتوكل علي الله في آيات كثيرة كقوله نعم أجر العاملين, الذين صبروا وعلي ربهم يتوكلون, وقوله عن رسله: ولنصبرن علي ما آذيتمونا, وعلي الله فليتوكل المتوكلون. الاقتداء بأهل الصبر: إن التأمل في سير الصابرين يعطي الإنسان شحنة دافعة علي الصبر, ومن هنا ندرك سر حرص القرآن المكي علي ذكر صبر الأنبياء علي مالاقوه من أممهم وهذا ماصرح الله به في قوله: وكلا نقص عليك من أنباء الرسل مانثبت به فؤادك وجاءك في هذه الحق وموعظة وذكري للمؤمنين, وقال الله: ولقد كذبت رسل من قبلك فصبروا علي ماكذبوا وأوذوا حتي أتاهم نصرنا, ولامبدل لكلمات الله, ولقد جاءك من نبأ المرسلين, الأنعام/34], وجاء الأمر صريحا لرسول الله صلي الله عليه وسلم بالاقتداء بالصابرين قبله: فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل, ولاتستعجل لهم, وحين نزل البلاء بأصحاب رسول الله صلي الله عليه وسلم جاءهم التذكير ببلاء من كان قبلهم: أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لايفتنون, ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذي صدقوا وليعلمن الكاذبين, وقال لهم: أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتي يقول الرسول والذين آمنوا معه متي نصر الله, ألا إن نصر الله قريب. إن إيمان العبد بقدر الله النافذ واستسلامه له أكبر عون علي تجشم مصاعب المصائب, وعلم العبد بأن ماأصابه لم يكن ليخطئه, وما أخطأه لم يكن ليصيبه برد من اليقين يصب علي فؤاده, قال تعالي: ماأصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها, إن ذلك علي الله يسير, لكيلا تأسوا علي مافاتكم ولاتفرحوا بما آتاكم, وركون المؤمن إلي قدر الله في مثل هذا المقام واحتجاجه به أمر لاغبار عليه لأنه إحالة علي القدر فيما لا اختيار للعبد فيه. واعلم أن الجزع والهلع والتبرم والضيق لايرد من قدر الله شيئا فلابد من الصبر أول الأمر لئلا يحرك العبد من المثوبة ولئن لم يصبر أول الصدمة فسيصبر بعد ذلك رغم أنفه ولا أجر له, قال حكيم: العاقل يفعل في أول يوم من المصيبة مايفعله الجاهل بعد السبعة أيام. إن المبالغة في التشكي والتبرم لايغير من الواقع شيئا بل يزيد النفس هما وكمدا ولهذا قال الله لرسوله: قد نعلم إنه ليحزنك الذي يقولون, فإنهم لايكذبوك, ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون. ولقد كذبت رسل من قبلك فصبروا علي ماكذبوا وأوذوا حتي أتاهم نصرنا ولامبدل لكلمات الله, ولقد جاءك من نبأ المرسلين. وإن كان كبر عليك إعراضهم فإن استطعت أن تبتغي نفقا في الأرض أو سلما في السماء فتأتيهم بآية, ولو شاء الله لجمعهم علي الهدي فلا تكونن من الجاهلين, الأنعام/33-35], فأزال الوحشة عن قلب الرسول صلي الله عليه وسلم في أول آية بأن تكذيبهم ليس للرسول وإنما هو لله تعالي, ثم عزاه في الثانية وسلاه بما حدث لرسل الله فصبروا, ثم قال له: إن شق عليك إعراضهم وذهبت نفسك عليهم حسرات وضاق صدرك فليس لك إلا الصبر, وإلا فافعل مابدا لك فإن استطعت أن تبتغي نفقا في الأرض تهرب منه أو سلما في السماء, تصعد عليه فدونك فافعل, والحديث موصول.