خامسا- المعينات على الصبر قال صلى الله عليه وسلم: "من يتصبر يصبره الله، وما أعطى أحد عطاء خيراً وأوسع من الصبر". أراك تسأل أخى الحبيب: كيف أتحقق بخلق الصبر الجميل، الذى يريده الله تعالى منا، والذى أمرنا به سبحانه وتعالى فى محكم تنزيله؟ وما الوسائل والمعينات التى تعيننى على هذا الأمر، خاصة فى هذه الملمات والمدلهمات التى تحيط بأمتنا؟ أخي، هيا بنا نكمل دندنتنا حول الصبر والنصر بالإشارة إلى بعض المعينات على الصبر، من خلال توجيهات كتابنا العزيز.. الاستعانة بالله تعالى وطاعته: لقد أسلفنا فيما مضى أن الصبر مر الطعم صعب المذاق؛ ولذلك فلا بد من الاستعانة بالصبور سبحانه وتعالى حتى يدخلنا فى عباده الصابرين؛ ولذلك جاء التوجيه الربانى المباشر {وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلاَّ بِاللهِ}، ونقل القرآن عن نبى الله موسى عليه السلام وصيته لقومه: {اسْتَعِينُوا بِاللهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الأَرْضَ للهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ}، وقرن الله تعالى بين الصبر والصلاة التى هى عماد الدين فقال عز من قائل: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ}.. وما أكثر ما نقله القرآن من مواطن الدعاء واللجوء إليه وقت الشدة أن ينزل صبره على عباده، نكتفى منها بما نقله سبحانه عن طالوت وجنوده: {وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ}. ملازمة الصابرين ومطالعة سيرتهم: كلما كان الأمر شاقا وصعبا على التحمل كانت الحاجة إلى التشارك فيه أوكد؛ ولذلك فإن صحبة الصابرين تعين على تحمل مرارة الصبر؛ ولذلك جاء التوجيه القرآني: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِى يُرِيدُونَ وَجْهَهُ}، وجاء القصص القرآنى بسير السابقين وما لاقوه من أقوامهم لنعتبر منه ونأخذ منه شحنة إيمانية دافعة على الصبر والتحمل؛ وهو ما يتضح جليا فى قول الله تعالى لنبيه: {وَكُلاًّ نَّقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِى هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ}، وقال له عز من قائل سبحانه: {فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلاَ تَسْتَعْجِل لَّهُمْ}، {وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلاَ مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللهِ وَلَقَدْ جَاءَكَ مِن نَّبَأِ الْمُرْسَلِينَ}. وغيرها الكثير من الآيات الدالة على هذا الأمر؛ وهو المنهج الذى ربى عليه الرسول صلى الله عليه وسلم أصحابه حينما جاءه أحدهم فقال له: "ألا تدعو لنا.. ألا تستنصر لنا" فى الحديث المشهور الذى انتقل فيه الرسول صلى الله عليه وسلم بهذا الصحابى الجليل إلى الماضي؛ حيث أسلافنا الذين تعرضوا للأذى أكثر ما تعرضنا، وما صدهم ذلك عن دين الله تعالى.. معرفة جزاء الصابرين وعاقبتهم: إذا أدرك الإنسان أن الدواء المر فيه شفاؤه ونجاته فإنه سيحمل نفسه على تجرعه مرات ومرات؛ ولذلك حرص القرآن على ذكر عاقبة الصبر والصابرين فى الدنيا والآخرة فى الكثير من الآيات نكتفى بالإشارة هنا إلى بعضها هنا –على أمل إفراد مساحة لها أوسع فى هذه السلسلة-؛ حيث قال تعالى: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ}، وعن عاقبة الصبر فى الدنيا نقل القرآن عن بنى إسرائيل {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ}، وقال تعالى: {وَإِن تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لاَ يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا}.. التماس أجر الصبر من الله تعالى: إن مما يعين على الصبر طلب الأجر عليه من الله تعالى، وعدم ترقب شيء من الخلق؛ ولذلك حرص الله تعالى على التماسنا الأجر منه سبحانه حيث خزائنه ملأى لا تنفد فقال تعالى: {مَا عِنْدَكُمْ يَنفَدُ وَمَا عِنْدَ اللهِ بَاقٍ وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}، وقال تعالى: {نِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ * الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ}. ولذلك قال أحدهم: "وأصل قلة الصبر ضعف اليقين بحسن جزاء من صبرت له؛ لأنه لو قوى يقينه كان الآجل من الوعد عاجلا إذا كان الواعد صادقا، فيحسن صبره لقوة الثقة بالعطاء." الثقة بحصول الفرج: ما أقصر الطريق وما أيسره إذا كنت ترى آخره ومنتهاه، وتعرف هدفك الذى تسير من أجله فيه، وما أطوله وأثقله على النفس إذا كانت نهايته غائبة عنك؛ ولذلك أكد القرآن الكريم أن بعد العسر يسرا، فقال تعالى: {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا}.. فكلما اشتدت الأزمة وزادت الظلمة كان ذلك إيذانا بانبلاج الصبح وانتشار النور، وليكن لنا فى نبى الله تعالى يعقوب عليه السلام عبرة وعظة حينما اشتدت أزمته فى ولديه فقال: {فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللهُ أَن يَأْتِيَنِى بِهِمْ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ}. كانت هذه بعض الأسباب المعينة على الصبر الذى هو طريق النصر فى الدنيا والآخرة، والأمر يسع غيرها من الأسباب، اكتفيت بما سمح به المقام والسياق. لا تيأسنَّ وإن طالت مطالبة *** إذا استعنت بصبر أن ترى فرجا أخلِق بذى الصبر أن يحظى بحاجته *** ومدمن القرع للأبواب أن يلجا