أكدت الشريعة الإسلامية منذ أن بزغ نور الإسلام أهمية الحرية لجميع البشر واعتبرتها حقا طبيعيا لكل إنسان, وقد عظم الإسلام من شأن الحرية حيث جعل السبيل الوحيد لادراك الخالق سبحانه وتعالي هو العقل الحر بدون أي تأثير قال تعالي لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي وليس معني إن الشريعة الإسلامية أطلقت الحرية ان جعلتها بلا قيد ولا ضابط وإلا تحولت إلي الفوضي التي يثيرها الهوي والشهوة لذلك طالبت الشريعة الاسلامية بضرورة وضع ضوابط تضمن الحرية للجميع. في البداية الدكتور رشدي أبو زيد استاذ ورئيس قسم الشريعة الإسلامية بجامعة حلوان يقول أن الشريعة الاسلامية جاءت لتكريم الانسان الذي خلقه الله حرا, ولذا شرعت عتق العبيد كفارة لكثير من الذنوب وجعلت الحرية مبدأ من مبادئها, فالخالق سبحانه وتعالي رغم أنه كرم الانسان بالعقل لكي يفكر ويدبر ويكون بمثابة مناط التكليف لكنه علم أن الانسان لا يستطيع ادراك بعض الاشياء ويتخذ فيها قرارات فكلفه بها ولم يجعل له حرية بشأنها مثل العبادات كالصلاة والصيام والزكاة والحج وأيضا الأمور المتعلقة بالاحوال الشخصية كالزواج والطلاق والإيلاء والظهار والعدة فكل هذه الامور لا مجال لحرية الانسان فيها, أما بقية الأمور الأخري مثل المعاملات والأمور السياسية والادارية فالإنسان له الحرية الكاملة في تنظيم شئون حياته طبقا للمصلحة العامة مع بني جنسه, غير أن هذه الحرية ليس مطلقة بل مقيدة بما لا يضر الآخر, ولا يضر نفسه لا ضرر ولا ضرار قال تعالي ولا تلقوا بأيديكم إلي التهلكة ومعني ذلك أن يتصرف الانسان في حدود حريته, ومن ثم نجد أن الشريعة الإسلامية فيها من المرونة التي تجعلها صالحة لكل زمان ومكان وهي بمثابة الضابط للحرية والركيزة الاصلية لأي بناء من أعمدة وجدران وتركت للساكن حرية تشطيب مسكنه, وذلك بمثابة الامور الحياتية في مجال السياسة والبرلمان وغيرها حيث قال صلي الله عليه وسلم أنتم أعلم بشئون دنياكم بينما يقول الدكتور علوي أمين أستاذ الفقه المقارن بجامعة الازهر أن الشريعة أكدت أن الأصل الحرية قال تعالي لا إكراه في الدين وجعل الحرية تنتهي عند حقوق الآخر وهي مقيدة بحياة الانسان فتعطي له الحياه عندما يلتزم بعدم السرقة والزنا فالحرية هي الحياة والفرق بينها وبين الفوضي شعرة فلا يمكن أن تعطي الحرية للإنسان حق احراق ممتلكات الغير أو قتل النفس بحال من الاحوال ومن ثم لا يوجد تناقض بين الحرية والشريعة بل العلاقة بينهما علاقة أصلية ايجابية. ويشير الشيخ فكري حسن عضو المجلس الأعلي للشئون الإسلامية إلي أن كلمة حرية تفسر أحيانا بالانطلاق من القيود الانسانية, والحرية بالنسبة للدولة تفسر أحيانا بالتضييق علي آحاد الناس بضغطهم في الجماعة حتي يصبحوا لا يتحركون إلا بها ولا يسيرون إلا بما تريد, لذلك الحر هو الشخص الذي تتجلي فيه المعاني الانسانية العالية ويضبط نفسه فلا تتدلي الكلمة إلي سفاسف الامور ولا ينطلق وراء أهوائه وشهواته ولا يكون عبدا لها فالحر يبتدأ بالسيادة علي نفسه وإطلاق ارادته وعقله من قيود شهوته إلي أجندة يقتنع بها, وهو الذي يضبط نفسه ولا ينحرف ولا يهضم حقه وبالتالي لا يعتدي علي حق غيره, فالحر لا يمكن أن يكون معتديا ولا مخربا ولا يهدم لانه يسيطر علي أهوائه وشهواته فالحر هو الذي يقدر الحرية في غيره كما يقدرها في نفسه وهذا يتفق مع الشريعة الإسلامية فالنبي صلي الله عليه وسلم أوضح عندما سئل عن أفضل الناس: قال أنفعهم للناس وقال أيضا المؤمن من أمنه الناس علي أنفسهم وأموالهم وأعراضهم وحينما سئل عن شر الناس قال صلي الله عليه وسلم من لا يرجي خيره ولا يؤمن شره. والحرية الانسانية لاتتصور في مجتمع إلا اذا كانت لها معني اجتماعي, ولا تتحقق في مجتمع برأي الأحاد(القلة) لكنها تقوم علي العطاء والعدالة التي هي الميزان الذي يضبط كل عمل, والحرية الحقيقية التي يقرها الشرع الإسلامي خاضعة لهذا الميزان, فلا يمكن أن تكون في دائرة الاخلاق الفاضلة إلا إذا كانت عادلة تعطي صاحبها ما يطالب به غيره ولقد جاء الإسلام بتقرير حق الانسان في الحرية المسئولة وليست الحرية الهدامة ولذا يوضح الرسول في حديثه لا يكن أحدكم إمعة يقول إن أحسن الناس أحسنت وأن أساءوا أسأت ولكن وطنوا أنفسكم إن إحسن الناس أن تحسنوا وإن أساءوا أن تجتنبوا إساءتهم وما أروع ما قاله عمر بن الخطاب بعد توليه الخلافة إذا رأيتم في اعوجاجا فقوموني فوقف رجل وقال لو رأينا فيك أعوجاحا لقومناك بسيوفنا فاستبشر عمر خيرا وحمدالله أن جعل رجالا من الأمة يمكنهم الجهر بالحق ولا يسكتون علي الظلم في إطار المصلحة العامة وحرية الرأي التي دعا إليها الإسلام وجعلها غير مطلقة بلا ضوابط أو قيود, وإلا كانت الفوضي بعينها وهدم للأمة وانما هناك قيود وضوابط تستهدف حماية الفضيلة والاخلاق والنظام العام في المجتمع الاسلامي, وبالنسبة للضوابط فالشرع الاسلامي دعا إلي التحلي بالأدب والحكمة عند ابداء الرأي فلا يكون الفرد شتاما ولا عيابا ولا قذافا ولا كذابا قال تعالي ادع إلي سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة