الحوار الوطني: عقد جلسة عاجلة السبت المقبل لدعم موقف الدولة تجاه ما يجري بالمنطقة    "مستقبل وطن" يستعرض ملامح مشروع قانون الإجراءات الجنائية    انخفاض مدفوعات فوائد الدين العام في مصر إلى 312.3 مليار جنيه    فعاليات الاحتفال بمرور عشر سنوات على تأسيس أندية السكان بالعريش    للمرة الأولى.. مجلس عائلات عاصمة محافظة كفر الشيخ يجتمع مع المحافظ    إيطاليا تعلن عن حزمة مساعدات جديدة للبنانيين النازحين بقيمة 17 مليون يورو    بوريل يدعو دول الاتحاد الأوروبي للسماح لأوكرانيا بضرب أهداف في روسيا    بيسكوف: قوات كييف تستهدف المراسلين الحربيين الروس    «إيران رفعت الغطاء».. أستاذ دراسات سياسية يكشف سر توقيت اغتيال حسن نصر الله    إيقاف صامويل إيتو 6 أشهر عن مباريات منتخب الكاميرون    تفاصيل القبض على عامل صور طالبة جامعية بدورة المياه في أكتوبر    أول رد من جورج قرداحي على أنباء اعتناقه الدين الإسلامي    بعد 19 عامًا من عرض «عيال حبيبة».. غادة عادل تعود مع حمادة هلال في «المداح 5» (خاص)    كيفية التحقق من صحة القلب    قبول طلاب الثانوية الأزهرية في جامعة العريش    الأربعاء.. مجلس الشيوخ يفتتح دور انعقاده الخامس من الفصل التشريعي الأول    الطقس غدًا .. الحرارة تنخفض إلى 30 درجة لأول مرة منذ شهور مع فرص أمطار    ضبط نصف طن سكر ناقص الوزن ومياه غازية منتهية الصلاحية بالإسماعيلية    تفاصيل اتهام شاب ل أحمد فتحي وزوجته بالتعدي عليه.. شاهد    للمرة الخامسة.. جامعة سوهاج تستعد للمشاركة في تصنيف «جرين ميتركس» الدولي    الرئيس السيسي: دراسة علوم الحاسبات والتكنولوجيا توفر وظائف أكثر ربحا للشباب    القاهرة الإخبارية: 4 شهداء في قصف للاحتلال على شقة سكنية شرق غزة    أمين الفتوى يوضح حكم التجسس على الزوج الخائن    الأمن القومي ركيزة الحوار الوطني في مواجهة التحديات الإقليمية    محافظ الإسماعيلية يتابع أنشطة التضامن الاجتماعي ضمن مبادرة بداية (صور)    محافظ المنوفية: تنظيم قافلة طبية مجانية بقرية كفر الحلواصى فى أشمون    مؤشرات انفراجة جديدة في أزمة الأدوية في السوق المحلي .. «هيئة الدواء» توضح    إنريكى يوجه رسالة قاسية إلى ديمبيلى قبل قمة أرسنال ضد باريس سان جيرمان    "طعنونا بالسنج وموتوا بنتي".. أسرة الطفلة "هنا" تكشف مقتلها في بولاق الدكرور (فيديو وصور)    رمضان عبدالمعز ينتقد شراء محمول جديد كل سنة: دى مش أخلاق أمة محمد    التحقيق مع خفير تحرش بطالبة جامعية في الشروق    "رفضت تبيع أرضها".. مدمن شابو يهشم رأس والدته المسنة بفأس في قنا -القصة الكاملة    حدث في 8ساعات| الرئيس السيسى يلتقى طلاب الأكاديمية العسكرية.. وحقيقة إجراء تعديلات جديدة في هيكلة الثانوية    تأسيس وتجديد 160 ملعبًا بمراكز الشباب    وكيل تعليم الفيوم تستقبل رئيس الإدارة المركزية للمعلمين بالوزارة    هازارد: صلاح أفضل مني.. وشعرنا بالدهشة في تشيلسي عندما لعبنا ضده    5 نصائح بسيطة للوقاية من الشخير    المتحف المصرى الكبير أيقونة السياحة المصرية للعالم    مرحباً بعودة «لير».. وتحية «للقومى»    20 مليار جنيه دعمًا لمصانع البناء.. وتوفير المازوت الإثنين.. الوزير: لجنة لدراسة توطين صناعة خلايا الطاقة الشمسية    الزمالك 2007 يكتسح غزل المحلة بخماسية نظيفة في بطولة الجمهورية للشباب    هل الإسراف يضيع النعم؟.. عضو بالأزهر العالمي للفتوى تجيب (فيديو)    «حماة الوطن»: إعادة الإقرارات الضريبية تعزز الثقة بين الضرائب والممولين    طرح 1760 وحدة سكنية للمصريين العاملين بالخارج في 7 مدن    النيابة تواجه مؤمن زكريا وزوجته ب التربي في واقعة السحر    تواصل فعاليات «بداية جديدة» بقصور ثقافة العريش في شمال سيناء    اللجنة الدولية للصليب الأحمر بلبنان: نعيش أوضاعا صعبة.. والعائلات النازحة تعاني    نائب محافظ الدقهلية يبحث إنشاء قاعدة بيانات موحدة للجمعيات الأهلية    فرنسا: مارين لوبان تؤكد عدم ارتكاب أي مخالفة مع بدء محاكمتها بتهمة الاختلاس    برغم القانون 12.. ياسر يوافق على بيع ليلى لصالح أكرم مقابل المال    5 ملفات.. تفاصيل اجتماع نائب وزير الصحة مع نقابة "العلوم الصحية"    محافظ القاهرة يشهد احتفالية مرور 10 أعوام على إنشاء أندية السكان    خلافات في الأهلي بسبب منصب مدير الكرة    إنفوجراف.. آراء أئمة المذاهب فى جزاء الساحر ما بين الكفر والقتل    مدير متحف كهف روميل: المتحف يضم مقتنيات تعود للحرب العالمية الثانية    «بيت الزكاة والصدقات» يبدأ صرف إعانة شهر أكتوبر للمستحقين غدًا    التحقيق مع المتهمين باختلاق واقعة العثور على أعمال سحر خاصة ب"مؤمن زكريا"    الأهلي يُعلن إصابة محمد هاني بجزع في الرباط الصليبي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مفهوم الحرية في الإسلام
نشر في الشعب يوم 29 - 11 - 2014

خلقنا الله أحراراً من عبودية غيره، وذلك في التصرفات المباحة للذكر والأنثى، لكنه جعلها مقيدة بالشرع، لكي نحقق فوائدها؛ ونكون عبيداً لله حقيقة ووصفاً قدوة بالأنبياء، وهذا هو مفهوم الحرية في الإسلام، ولكن الغرب اليوم أطلق عنان الحريات وفي حقيقتها استعباد بصورة جديدة؛ كحرية الاعتقاد، وحرية الغريزة، واشترطوا فقط ألا تضر بالآخرين.
عناصر المادة :
مفهوم الحرية في الإسلام
صور للحريات التي أعطاها الإسلام للإنسان
العبوديات وصور معاصرة لها
من فوائد العبودية لله
مفهوم الحرية عند أعداء الدين
بعض المفاهيم الخاطئة في الحرية
لقد خلق الله الإنسان حراً، وخلق بني آدم أحراراً، ليسوا بعبيد للعبيد، وهذا هو الأصل فيهم، والله عز وجل أعطى الإنسان إرادة، ومشيئة، واختياراً، فليس العبد مجبوراً على عمل، وإنما هو حر في اختياره ومشيئته، وبناء على هذه الحرية في الاختيار والمشيئة؛ يحاسبه الله عز وجل، فلو كان العبد مكرهاً مجبراً لا حرية له في الاختيار، فإن الله لا يؤاخذه على أفعاله: (إن الله تجاوز لي عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه) فإذا فقد العبد حريته في العمل، ومشيئته في الاختيار، فصار مجبراً مكرهاً، لا يؤاخذه الله، فيكون الإكراه عذراً له في هذه الحالة فلا يأثم، وأما ما عمله باختياره، وحريته، ومشيئته، فإن الله تعالى يحاسبه عليه، وقد جاء الشرع بتحريم بيع الحر، ومن الكبائر أن يبيع الإنسان حراً فيأكل ثمنه.
وقد جعلت الشريعة للرق أسباباً معينة، ومسارات خاصة، فمن تعداها فباع حراً فإنما يأكل في بطنه نار جهنم، وقد استعبد بعض البشر بعضاً عبر التاريخ، كما فعل فرعون مع بني إسرائيل، وقد امتن الله على بني إسرائيل لما نالوا الحرية بعد استعبادهم، وقد ذاقوا ذل العبودية لفرعون وقومه فقال سبحانه: وَإِذْ نَجَّيْنَاكُم مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوَءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءكُمْ وَفِي ذَلِكُم بَلاء مِّن رَّبِّكُمْ عَظِيمٌسورة البقرة49، وكان فرعون يمن على موسى أنه لم يستعبده كما استعبد قومه، فكان رد موسى،وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ أَنْ عَبَّدتَّ بَنِي إِسْرَائِيلَسورة الشعراء22فأنا واحد، وقومي هؤلاء جميعاً، فأين منتك عليَّ في أن لم تستعبدني، وأنا فرد واحد، واستعبدت قومي على كثرتهم وعددهم. وجاءت الشريعة الإسلامية بوضع الآصار والأغلال، فهي شريعة تخفيف، ورفع للقيود الشاقة، ولذلك نجد فيها تخفيفاً في أحكام المكره كما قال عز وجل: مَن كَفَرَ بِاللّهِ مِن بَعْدِ إيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ سورة النحل106ولا تستقيم حياة الإنسان إلا إذا كان عبداً لشيء واحد وهو الله عز وجل، قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادةً قُلِ اللّهِ" سورة الأنعام19"وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُون " ِسورة الذاريات56 فالعبودية لله تعالى فقط، وعندما يصبح الإنسان عبداً لله يتحرر من أسر المخلوقات، وعندما يصبح عبداً لله فإنه يكون في غاية الحرية في نفسه، وكذلك فإن الصحابة لما خرجوا لفتوحات البلدان كان قائلهم يقول: "لقد ابتعثنا الله لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة الله، ومن ضيق الدنيا إلى سعتها، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام"، وقال عمر رضي الله عنه: "متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً"، وقال علي رضي الله عنه: "لا تكن عبد غيرك وقد جعلك الله حراً". ونعى الله على أهل الكتاب أن يكونوا عبيداً لأحبارهم فقال: قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ سورة آل عمران64؛ ولذلك كان أعظم البشر الأنبياء، وقد مدحهم الله بالعبودية له فقال: وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ سورة ص17وقال عن أيوب: إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا سورة ص44، وهكذا عباد الله المتقون، عباد الله الأخيار، ونبينا صلى الله عليه وسلم رأسهم، وصفه الله بالعبودية له، فقال:
وَمَا أَنزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ سورة الفرقان41 الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَسورة الكهف1، وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ
اللَّهِ يَدْعُوهُ سورة الجن19.
صور للحريات التي أعطاها الإسلام للإنسان
وهكذا، فالحرية التي أعطاها الله للإنسان أعطاه إياها ليختار ما يشاء من هذه المباحات، فيأكل ما يشاء، ويلبس ما
يشاء، ويتنقل حيث يشاء، ويمتهن ما يشاء من المهن، ويعمل ما يشاء من الأعمال، وكذلك يبيع ما يشاء، ويشتري ما
يشاء، ويستأجر ما يشاء، ويؤجر ما يشاء، من سائر التصرفات، وهذه الحرية، وهذا الاختيار أيضاً نجده للذكر
والأنثى: فالإنسان يتزوج من يشاء، وكذلك المرأة ترضى بمن تشاء، فمن شاءت وافقت على الزواج منه، ومن شاءت
أن تأبى الزواج منه أبت، ولها الحرية في ذلك، قال عليه الصلاة والسلام:(لا تنكح البكر حتى تستأذن، قالوا: كيف
أذنها؟ قال: أن تسكت)وقال سبحانه: وَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُواْ بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلاَّ أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ وَعَاشِرُوهُنَّ
بِالْمَعْرُوف ِسورة النساء19، وهذه الحريات التي أعطاها الله للبشر ثابتة، ومقررة وهي من العيش الكريم، وغصب
الإنسان على أكلة لا يريدها أو زيجة لا يريدها ظلم، وجاء الإسلام بحرية الابتكار، فهذا الإنسان مسموح له أن
يكتشف، وأن يخترع، وأن يركب، وأن يصنع، إنها أشياء مفتوحة بحرية للناس، إنه حر أن يتكلم بما في نفسه، وأن
يعبر عن رأيه، وهكذا وجوه الحرية كثيرة واضحة.
العبوديات وصور معاصرة لها
ولكن من الناس من يختار أنواعاً من العبودية غير العبودية للبشر الصريحة، ولما فطن أعداء الله إلى الكيفية التي
يستعبدون بها البشر أوقعوهم في أنواع من العبوديات غير قضية أن يكون في رقبته غل، ويساق بالسلاسل ليعمل في
مزرعة فلان، وحقل فلان، ومصنع فلان، تلك كانت صور سابقة، كانت مشهورة بالعبودية، ولكن ابتكر هؤلاء طرقاً
جديدة في فتح أبواب العبودية، بأن يكون الناس عبيداً لأفكارهم بما يهيمنون عليه من

وهكذا انتشرت حريات هي في الحقيقة عبوديات، فصار بعض الناس عبيداً للشهوات، فالشهوة هي التي تحركه وتقيمه
وتقعده وتؤزه وتسكنه
وسائل البث، عبيداً لشهواتهم بما يثيرونه فيهم من الغرائز، عبيداً للدرهم والدينار بما يجذبونهم إليه من ألوان، استعباد
المال لصاحبه، وهكذا انتشرت حريات هي في الحقيقة عبوديات، حرية الغريزة فصار بعض الناس عبيداً للشهوات،
فالشهوة هي التي تحركه، هي التي تقيمه، وهي التي تقعده، وهي التي تؤزه، وهي التي تسكنه، وهي التي تجعله يدفع،
وتجعله يحجم، فأطلقوا للبشر عناناً في أنواع المحرمات والشهوات، فصار هذا عبداً لامرأة، وهذا عبداً لكأس ومخدر
يدفع من أجله شبابه وثروته، بل ويسرق لأجل تحصيله، فصار هنا عبيد للنساء، وهناك عبيد للمخدرات والمسكرات،
وفي ذاك التوجه عبيد للمال، وقد قال نبينا صلى الله عليه وسلم: (تعس عبد الدينار، تعس عبد الدرهم)، وهنالك من هو
عبد للثياب والقماش: (تعس عبد الخميلة، تعس عبد الخميصة)وهنالك من هو عبد لشخص إذا عشقه وهويه فصار
معشوقه، فهو الذي يحركه، فهو يذكره في قيامه، وقعوده، وأكله، وحتى يراه في نومه، فهذه عبودية خطيرة، عبودية
العشق، فيظن هذا الإنسان أنه حر ليس بعبد لأنه ليس ملكاً لفلان يسوقه من رقبته بسلسلة، ولكنه في الحقيقة عبد لهذه
الشهوة، وهذه المادة.
من فوائد العبودية لله
ومن فوائد العبودية لله: أنها تحرر الناس من هذه العبوديات لغير الله، فإذا صرت عبداً لله تحررت من عبودية الشهوة،
وإذا صرت عبداً لله تحررت من عبودية الدرهم والدينار، فصار الدرهم والدينار يخدمك لا أنت الذي تخدمه، ولما سئل
بعض أهل العلم عن متى يكون الإنسان عبداً للدرهم والدينار ومتى لا يكون؟ فقال: إذا كان المال عنده بمثابة الحمار
الذي يركبه، وبيت الخلاء الذي يدخله، فليس عبداً للدرهم والدينار، فكلهم يحتاج إلى دابة ينتقل عليها، وبيت خلاء
يدخل فيه ليقضي حاجته، لكن هل الإنسان الذي يدخل بيت الخلاء والمرحاض يحب المرحاض، ويهيم به، ويفتتن به،
ويعيش معه حضراً، وسفراً، ليلاً، ونهاراً في أحواله؟ كلا، إنه يحتاجه فيدخله وقت الحاجة، ثم يخرج منه، وقلبه غير
متعلق به، وإذا كان له دابة يركبها فإنه يحتاجها ويتخذها ولا بد له منها، لكن قلبه ليس متعلقاً بحماره الذي يركبه، ليس
يهواه، ويتيه به، ويهيم، فأما إذا صار المال بالنسبة له هو الذي يرضى من أجله، ويسخط من أجله، ويحب من أجله،
ويبغض من أجله، ويعطي من أجله، ويمنع من أجله، ويعيش لأجله، فعند ذلك يكون عبداً له؛ ولذلك فإن العبودية لله
تخلص شاباً من فتاة عشقها، والعبودية لله تخلص مدمناً من مخدر سقط في وحله، والعبودية لله تخلص سكراناً من خمر
قد لعب بكليته ودخل في جسده، والعبودية لله تخلص الناس من التعلق بغير الله، فتجعلهم أحراراً، ولو كان بلالاً
الحبشي، أو سلمان الفارسي، أو صهيباً الرومي، أو غير ذلك ممن استعبدوا في يوم من الأيام.
إن مفهوم العبودية لله ينبغي أن يكون حقاً في أنفسنا، فنحب لله، ونبغض لله، ونعطي لله، ونمنع لله، ونعيش لله، ونموت
في سبيل الله، وهكذا.
قد نفخ أعداء الإسلام في بعض الناس باسم الحرية ما يجعلونهم بذلك عبيداً لشهواتهم، وأهوائهم، ومبادئ الغرب
والشرق، وهذه الأطروحات الباطلة التي يأتون بها ليلاً ونهاراً؛ ولذلك فإن الله لما أعطى للبشر حرية في التصرفات -
كما قلنا- بيعاً، وشراء، واستئجاراً، وكفالة، ورهناً، وحوالة، ونحو ذلك، وأعطاهم الحرية في الطعام، واللباس، والنكاح،
فإنه سبحانه وتعالى جعل لذلك قيوداً، وفهم القيود مهم جداً لمعرفة بطلان مبدأ الحرية المطلقة.
أولاً: وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ سورة الأحزاب36، فإذا هوي
الإنسان شيئاً، ومال إليه، وأراد الله ورسوله عكس هذا فيجب عليه الانقياد لما أراده الله ورسوله: إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ
إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا سورة النور51؛ ولذلك من المبادئ الإسلامية العظيمة لا
حرية في فعل المعصية، ويجب التفريق بين الحرية وبين الحرام، قال عليه الصلاة والسلام: (إذا نهيتكم عن شيء
فاجتنبوه)انتهينا؛ ولذلك فلا يمكن أن يقال: أن هناك حرية في سب الله، أو أنبيائه ورسله، أو التطاول على ثوابت الدين
وأحكامه وشرائعه، وليس هناك حرية في انتقاد أحكام الميراث، أو أحكام الولاية في الإسلام، أو انتقاد أحكام الطلاق، أو
أحكام النكاح، ليس هناك حرية في انتقاد ما جاءت به الشريعة من الحدود؛ كحد السرقة، أو حد الزنا، ونحو ذلك، ولا
يمكن بحال من الأحوال أن تترك عقوبة الزاني إذا كان راضياً بفعله هو والزانية؛ لأن الله ليس براض، ولا يمكن أن
يكون الربا حلالاً إذا كان المرابي والذي يدفع إليه الربا الآخذ والمعطي راضيين، لا يمكن أن يكون حلالاً إذا كانا
راضيين؛ لأن الله ليس براض، ولا يمكن أن تكون المرأة حرة في طريقة خروجها، ولباسها، وتبدي ما تشاء من الزينة،
وتتبرج، وتتعطر، وتمر على من تشاء من الرجال، وتمشي بأي طريقة في الأسواق، وتخلو بمن تشاء، وتفعل ما تشاء
بحجة أنها حرية شخصية؛ لأن الله لا يرضى عن هذا.
بعض المفاهيم الخاطئة في الحرية
وبعض الناس يفهم في ضوابط الحرية شيئاً واحداً، وهو أنك لا تضر بالآخرين، ويقول لك: حريتك تقف عند ضرري،
فالتدخين عنده يمكن أن يفهم على أنه ممنوع إذا كان يضر بالآخرين؛ ولذلك يتحدثون عن التدخين السلبي، ويقول لك
بالتالي: إذا كنت في بيتك وحدك فدخن أنت حر، لكن لا تدخن أمامي لأنك تضرني بأنفاسك، والخطأ في هذا أنه قال
له مقراً: إذا كنت في بيتك وحدك دخن أنت حر، فهذه عبارة خاطئة شرعاً، فلا يجوز لك أن تدخن لا في بيتك، ولا
خارج بيتك، لا عند الناس، ولا وحدك؛ لأن التدخين محرم، وأنت تضر نفسك.
فكثير من الناس لا يفهمون في قضية الحرية الشخصية أن الشرع يحرم ما يضر بنفس الإنسان، ويقولون: ما دام هو
يضر نفسه فله أن يفعل ما يشاء، وبناء عليه إذا أغلق عليه بابه، وأخذ إبرة مخدر، وبقي في بيته لا يؤذي أحداً، ولا
يخرج إلى الناس حتى يذهب مفعول المخدر، ويقوم، ويسوق السيارة بعقله فعندهم أنه حر.
وهذا والله الذي لا إله إلا هو، إنها من أكبر مكائد إبليس، ومن أبطل الباطل؛ لأنه ليس حراً، والملكان يقيدان عليه ما
يفعله في قعر بيته، وحسابه عند الله يوم القيامة، وعلى من ولاه الله أمر المسلمين أن يأخذ على يديه، ولو كان يفعل
ذلك؛ لأن السفيه إذا كان لا يعرف أن يقف عند حده بنفسه، ولو كان الضرر على نفسه، فإن الله يولي عليه من يوقفه
عند حده، ولو كان ضرره على نفسه فقط؛ ولذلك فمن الانحرافات الحديثة أن تجد من يقول: لا تكفر أمامي، لا تسب
الأنبياء والصحابة أمامي، اذهب أغلق على نفسك البيت وسب من تشاء، سب الرب، سب الدين، سب الصحابة، سب
الأنبياء، افعل ما تشاء، هذا من أبطل الباطل، فكيف يقر، ويسمح له أن يسب الله، أو الدين، أو الأنبياء، أو الصحابة
في بيته إذا كان لا يسمعه أحد، فلا يجوز أن يقر على ذلك؛ لأن هذا السماح بالكفر حرام، ولو كان الإنسان يفعله
وحده، فالكفر لا يقر، والمعصية لا تقر حتى لو كان العاصي يفعلها وحده في بيته، أنت لا تراه لست مسئولاً عنه،
ولكن لو سئلت: ما يفعله فلان في بيته الآن من المعصية، هل هي حرية شخصية؟ تقول: لا، ليس حراً أن يعمل ذلك
في بيته وحده أبداً، أنت لا تدري عنه، وأنت لا تحاسبه، وله رب يحاسبه، نعم، لكن ما حكمه؟ حرام، وهل يحق له أن
يفعل ذلك وحده؟ لا يحق له ذلك شرعاً، بل هو حرام، وهو آثم، ومعاقب عند الله.
وبالمناسبة لا يوجد معصية لا تتعدى إلى الغير، هذا لا بد أن يكون في قلبه نكتة سوداء، ستظهر في معاملته للناس
بعدما يخرج من بيته.
لا حرية مطلقة في الإسلام، وإلا ما كان للعبودية لله معنى؛ لأن الحرية المطلقة تقتضي ألا تقيد بأي قيد
لما قالت الشريعة: (لا ضرر ولا ضرار)، ما معنى ذلك؟
لا ضرر بالنفس، ولا ضرار بالغير، وبعض الناس يفهم النصف الثاني فقط: (لا ضرار) يعني: لا يجوز أن تضر
غيرك.
وقوله: (لا ضرر) يعني: لا يجوز أن تضر بنفسك حتى لو كنت مع نفسك وحدك أين تذهب بهذا؟
ولذلك فإن الحرية في الإسلام مقيدة، فمن أبطل الباطل قول: الحرية المطلقة، نريد الحرية المطلقة، فنقول: لا حرية
مطلقة في الإسلام، وإلا ما كان للعبودية لله معنى؛ لأن الحرية المطلقة تقتضي ألا تقيد بأي قيد، فكيف يبتلي الله
الناس، هذا عبد صالح أو لا، إذا كان لم يقيد حريتهم، فمبدأ القيود على الحرية هي التي تبين هل هذا عاص، أو
طائع، وكيف ستتبين قضية الصلاح والمعصية والطاعة بدون قيود.
القيود هذه لما يقال لك: لا تزني، ولا تتعامل بالربا، ولا تشرب الخمر، ولو كنت وحدك، ولا يجوز لك أن تأكل الخنزير،
لو قال: آكل الخنزير وحدي أنا في البيت ما أضر أحداً، فلا يجوز ذلك، ولو كان وحده، والعبودية لله هنا تظهر أن
يمتنع الإنسان عما قيده الله به، فهذه الحدود ليست فقط أشياء تضر بالغير، فالحدود أشياء تضر بالنفس أيضاً، فلو
شرب الخمر في بيته، هذه حدود لله، انتهك حد الله، ولو زنا وإياها برضاها ورضاه انتهك حد الله، ولو سب الأنبياء
وحده في البيت انتهك حد الله.
إذن هذا الانتهاك لحد الله يحاسب عليه الإنسان، والحريات الغربية لا تقول بهذا أبداً، فالحريات الغربية فقط تقيد
بالإضرار بالآخرين، إذا أضررت بالآخرين فحريتك تنتهي، وإذا ما أضررت بالآخرين بزعمهم على تعريفهم للإضرار
بالآخرين فحريتك مطلقة.
ولذلك يقولون: حرية الاعتقاد، اعتقد بما تشاء، اعتقد بحجر، بشجر، عمود كهرباء، اعتقد بما تشاء، بلا دين، تكون
يهودياً، نصرانياً، بوذياً، سيخياً، هندوسياً، كن ما شئت، حرية اعتقاد، هذا غير موجود في دين الإسلام، فالإسلام
يوجب على الناس أن يعبدوا الله ويسلموا له: وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَسورة
آل عمران85، والله عاقب أقواماً على أنهم أشركوا به، وكفروا، فعاقب قوم عاد، وثمود، وقوم لوط، وشعيب.
وكثير من الناس يتكلمون عن حرية الرأي، ويدخلون فيها حرية الكفر، ويخلطون بين حرية الفكر، وحرية الكفر،
ويسمحون بحرية الكفر ضمن حرية الفكر، وأن تعتقد ما تشاء من المذاهب الضالة، ولذلك عندهم مشكلة حقيقة في حد
الردة، وفي حديث: (من بدل دينه فاقتلوه)والمقصود بدينه دين الإسلام، كما بين العلماء في شرح الحديث، فيقولون: من
أراد أن يخرج من الدين فليخرج، ولكن في الإسلام الذي يخرج من الدين يقتل، وإلا يصبح الدين بوابة بلا بواب، ولا
راع، ولا حارس، ويجترئ الناس على ترك الدين، وعلى ترك الإسلام، وهكذا يصبح الدين ألعوبة، من شاء دخل، ومن
شاء ترك.
فإن قال قائل: فما معنى قول الله عز وجل: لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ سورة البقرة256؟
الجواب: معناه على ضوء الأحاديث والآيات الأخرى، وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ سورة آل عمران85
وعلى ضوء حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله)، أن من أراد من غير
المسلمين، ومن أهل الكتاب تحديداً، أن يبقى على دينه مقابل أن يدفع الجزية، ولا يدخل في الإسلام فله ذلك، لكن يقال
له: إذا مت على هذا، فأنت في النار، فيجب أن تدخل، (والذي نفسي بيده لا يسمع بي يهودي ولا نصراني ثم لا يؤمن
بي إلا دخل النار).

فالحرية في الإسلام قيدها أيضاً ألا تضر بنفسك، والضرر يبينه الكتاب والسنة.

وهذا موضوع يطول أيها الأحباب، والمقصود بيان ما هو مفهوم الحرية في الإسلام؟ وما هي قيود وضوابط الحرية في
الشريعة، لأن بيان هذا الآن مهم جداً، في وقت قد ارتفعت فيه الأصوات في أنحاء مختلفة من العالم، تنادي بالحريات،
فالحرية التي نريدها هي الحرية التي جاء بها الإسلام، فهناك حرية، ولكن لها ضوابط وقيود، إنها في كتاب ربنا، وفي
سنة نبينا صلى الله عليه وسلم، وليست في دساتير الغرب أن الحرية قيدها فقط ألا تضر بالآخرين، فالحرية في
الإسلام قيدها أيضاً ألا تضر بنفسك، والضرر يبينه الكتاب والسنة.
صالح المنجد


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.