القرآن دليل السالكين وهداية العارفين, من تمسك به نجي, وكان أمير المؤمنين عثمان بن عفان عاشقا بكتاب الله لم يتركه من حجره حتي وهو يستشهد تتساقط دمائه علي صحفانه. وكان للآيات الكريمة التي سمعها عثمان رضي الله عنه من رسول الله صلي الله عليه وسلم اثرها في صياغة شخصية ذي النورين الإسلامية, فقد طهرت قلبه, وزكت نفسه, وتفاعلت معها روحه, فتحول إلي إنسان جديد بقيمه ومشاعره وأهدافه وسلوكه وتطلعاته. وتعلق عثمان بالقرآن الكريم, وحدثنا أبو عبد الرحمن السلمي عن القرآن وكيف تعلمه من رسول الله صلي الله عليه وسلم قال: حدثنا الذين كانوا يقرئوننا القرآن كعثمان بن عفات وعبد الله بن مسعود وغيرهما: إنهم كانوا إذا تعلموا من النبي عشر آيات, لم يتجاوزها حتي يتعلموا أماميها من العلم, والعمل. قالوا: فتعلمنا القرآن والعلم والعمل جميعا, ولهذا كانوا يبقون مدة في حفظ السورة, وذلك أن الله تعالي قال: كتاب أنزلناه إليك مباركا ليدبروا آياته وليتذكر أولو الألباب وقد روي عن عثمان رضي الله عنه عن رسول الله صلي الله عليه وسلم قوله: خيركم من تعلم القرآن وعلمه. وعرض القرآن كاملا علي رسول الله قبل وفاته, ومن أشهر تلاميذ عثمان في تعلم القرآن أبو عبد الرحمن السلمي والمغيرة أبي شهاب, وأبو الأسود وزر بن حبيش. وحفظ التاريخ لنا بعض اقوال عثمان رضي الله عنه في القرآن الكريم حيث قال: لو طهرت قلوبنا, ما شبعت من كلام الله عز وجل. إني لأكره ان يأتي علي يوم لا أنظر فيه إلي عهد الله يعني المصحف. حب من الدنيا ثلاث, إشباع الجعان, وكسوة العريان, وتلاوة القرآن. أربعة ظاهرهن فضلة, وباطنهم فريضة, مخالطة الصالحين فضيلة, والاقتداء بهن فريضة, وتلاوة القرآن فضيلة, والعمل به فريضة, وزيارة القبور فضيلة, الاستعداد للموت فريضة, وعيادة المريض فضيلة, واتخاذ الوصية فريضة. وقال رضي الله عنه: أضيع الأشياء عشرة عالم لايسأل عنه, وعلم لايعمل به, ورأي صواب لايقبل, وسلاح لايستعمل, ومسجد لايصلي فيه, ومصحف لايقرأ فيه, ومال لاينفق منه, وفيل لاتركب, وعلم الزهد في بطن من يريد الدنيا, وعمر طويل لايتزود صاحبه فيه لسفره. وكان عثمان رضي الله عنه حافظا لكتاب الله, وكان حجره لايكاد يفارق المصحف, فقيل له في ذلك, فقال: إنه مبارك جاء به مبارك. وما مات عثمان حتي خرق مصحفه من كثرة مايديم النظر فيه, وقالت امرأة عثمان يوم الدار: اقتلوه, أو دعوه, فو الله لقد كان يحيي الليل بالقرآن في ركعة. وذكر عنه أنه قرأ القرأن ليلة في ركعة لم يصل غيرها وقد تحقق فيه قول الله تعالي: أمن هو كانت أناء الليل ساجدا وقائما يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه قل هل يستوي الذين يعملون والذين لايعلمون إنما يتذكروا أولو الألياب,, الزمر 9]. لقد تشرب عثمان رضي الله عنه بالمنهج القرآني, وتتلمذ علي يد رسول الله صلي الله عليه وسلم وعرف من القرآن من هو الإله الذي نعبده, وكان النبي يغرس فيه يعاني تلك الآيات العظيمة, فقد حرص أن يري أصحابه عن التصور الصحيح عن ربهم وعن حقه عليهم, مدركا أن هذا التصور سيورث التصديق, واليقين عندما تصفو النفوس ويستقيم الفطرة, فأصبحت نظرة دي النورين إلي الله عز وجل, والكون والحياة والجنة والنار والقضاء والقدر, وحقيقة الإنسان, وصراعه من الشيطان مسترة من القرآن الكريم وهدي النبي صلي الله عليه وسلم. وأن الحياة مهما طالت فهي إلي زوال, وأن متاعها مهما عظم قليل وأن غناها مهما كثر قليل حقير. ويري المتتبع لسيره ذي النوريين عمق استيعابه لفقه القدوم علي الله عز وجل, وشدة خوفه من عذاب الله وعقابه. وأن الله قد كتب كل شيء كائن, وأن مشيئة الله نافذة وقدرته تامة, وأنه خالق لكل شيء وعرف من خلال القرآن حقيقة نفسه, بين الانسان وأن حقيقة خلقه ترجع إلي أصلين: الأصل البعيد وهو الخلقة الأولي من طين حيث سواه ونفخ فيه الروح, والأصل الغريب وهو خلقه من نطفه. وعرف ان الانسان خلقه الله بيده وأكرمه بالصورة الحسنة, وكرمه علي كثير من خلقه, ولكن من أروع ماجعله مظاهر التكريم أن جعله أهلا لحبه ورضاه, ويكون ذلك باتباع النبي الذي دعا الناس إلي الاسلام. وعرف عثمان رضي الله عنه من القرآن حقيقة الصراع بين الانسان والشيطان..وتعلم من قصة آدم مع الشيطان في القرآن, أن جهر الاسلام الطاعة المطلقة لله, وأن الانسان له قابلية الوقوع في الخطيئة. وتعلم من خطيئة آدم ضرورة توكل المسلم علي ربه وأهمية التوبة والاستغفار في حياة المؤمن, والاحتراز من الحسد والكبر مع ضرورة قول أحسن الكلام. قال تعالي: وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن إن الشيطان ينزع بينهم إن الشطان كان للإنسان عدوا مبيا.( الاسراء53)