الزهد أن تكون بما في يد الله تعالي أوثق منك بما في يدك, وأن يكون حالك في المصيبة وحالك إذا لم تصب بها سواء, وأن يكون ذامك ومادحك في الحق سواء. وروي عن رسول الله صلي الله عليه وسلم: أن الله تعالي يعطي الدنيا من يحب ومن لايحب, ولا يعطي الدين إلا من يحب.. والذي يحبه الله تعالي ممن أعطاه الدنيا لايخالف حبيبه إلي هواه, ولا يؤثر نفسه علي محبة مولاه تبارك وتعالي, إذ قد تولاه فيما أعطاه. وروي عنه صلي الله عليه وسلم أنه قال: الطاعم الشاكر بمنزلة الصائم الصابر, والطاعم الشاكر هو الذي يستعين بطعمته علي خدمة مولاه ويعبده شكرا لما أولاه. ومن الزهد في الدنيا, حب الفقر وأهله, ومجالسة المساكين في أوطانهم والتذلل لهم كما كان مطرف رحمه الله تعالي يجالس المساكين يتقرب بذلك إلي ربه. روي عن عيسي عليه السلام: أربع لايتركن إلا بعجب: الصمت وهو أول العبادة, والتواضع, وكثرة الذكر, وقلة الشيء, وقال الثوري رحمه الله تعالي: لايكون الرجل عالما حتي يعد البلاء نعمة والرخاء عقوبة. وقال بعض السلف: لايبلغ العبد حقيقة الإيمان حتي يكون أن لايعرف أحب إليه من أن يعرف, وحتي يكون قلة الشيء أحب إليه من كثرته, وكان السلف الصالح يقولون: نعمة الله علينا فيما صرف عنا من الدنيا أعظم من نعمته فيما صرف إلينا. وروي أن إبراهيم التميمي رحمه الله تعالي أنه دفع إليه خمسون درهما فردها, فقيل له لم رددتها, فقال أكره أن امحو اسمي من ديوان الفقراء بخمسين ألفا.؟ وأفضل الزهد, الزهد في الرياسة علي الناس وفي المنزلة والجاه عندهم, والزهد في حب الثناء والمدح منهم, لأن هذه المعاني هي من أكبر أبواب الدنيا عند العلماء, وكان الثوري رحمه الله تعالي يقول: الزهد في الرياسة ومدح الخلق أشد من الزهد في الدينار والدرهم, قال لأن الدينار والدرهم قد يبذلان في طلب ذلك, وكان يقول: هذا باب غامض لايبصره إلا سماسرة العلماء, وقال الفضيل رحمه الله نعالي: نقل الصخور من الجبال أيسر من إزالة رياسة قد ثبتت في قلب جاهل. وسئل أويس القرني عن الزهد: أي شيء هو؟ فقال لسائله: في أي شيء خرجت؟ قال: أطلب المعاش, فقال أويس: إذا وقع الطلب ذهب الزهد. وكان ابن السماك يقول: الزاهد هو من خرجت الأفراح والأحزان من قلبه, فهو لايفرح بشئ من الدنيا أتاه, ولايحزن علي شيء منها, فإنه لايبالي علي عسر أصبح أم علي يسر. وقا ل أيوب السختياني: الزهد أن يقعد أحدكم في منزله,فإن كان قعوده لله رضا وإلا خرج, وإن يخرج فإن كان خروجه لله تعالي وإلا رجع, فإن كان رجوعه لله تعالي رضا وإلا ساح, ويخرج درهمه فإن كان خروجه لله تعالي وإلا حبسه, ويحبسه فإن كان حبسه لله تعالي وإلا رمي به, ويتكلم فإن كلامه لله تعالي رضا وإلا سكت,فإن كان سكوته لله تعالي رضا وإلا تكلم, فقيل هذا صعب, فقال: هذا هو الطريق إلي الله عز وجل وإلا فلا تلعبوا.