إذا كان الزهد متجسدا فهو رسولنا الكريم, فلم يترك صلى الله عليه وسلم عند موته درهما ولا دينارا ولا عبدا ولا أمة ولا شيئا إلا بغلته البيضاء وأرضا جعلها صدقة, قالت عائشة رضي الله عنها: توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وما في رفِّي من شيء يأكله ذو كبد إلا شطر شعير في رفٍّ لي فأكلتُ منه حتى طال عليَّ " ومات عليه الصلاة والسلام ودرعه مرهونة عند يهودي مقابل شيءٍ من الشعير. لم يكن الزهد في الدنيا موقوفا علي المسلمين فقط فقد عرفته الشعوب والديانات السابقة علي الإسلام..إلا أن الزهد في الإسلام له قيمة روحية عالية تؤكد علي أن الزهد في الدنيا لا يعني تركها دون تنفيذ الحكمة من خلق الإنسان وهو إعمار الكون ..فالإسلام دين عمل وحياة وعبادة . وكان نبينا صلى الله عليه وسلم أزهد الناس في الدنيا وأقلهم رغبة فيها مكتفياً منها بالبلاغ راضياً فيها بحياة الشظف مع أن الدنيا كانت بين يديه ومع أنه أكرم الخلق على الله ولو شاء لأجرى له الجبال ذهباً وفضة . . وأما حياته صلى الله عليه وسلم ومعيشته فقد كانت نموذجا للزهد في الدنيا, فقد دخل عليه عمر بن الخطاب رضي الله عنه يوماً فإذا هو مضطجع على رمالِ وحصيٍر ليس بينه وبينها فراش وقد أثّر في جنبه قال عمر : فرفعت بصري في بيته فوالله ما رأيت فيه شيئا يرد البصر, فقلت: ادع الله فليوسع على أمتك فإن فارس والروم وسع عليهم وأعطوا الدنيا وهم لا يعبدون الله, فقال : ( أوَفي شك أنت يا ابن الخطاب أولئك قوم عُجِّلت لهم طيباتهم في الحياة الدنيا) وكان رسولنا الكريم يقول : (ما لي وللدنيا ما أنا في الدنيا إلا كراكب استظل تحت شجرة ثم راح وتركها ) وكان فراشه صلى الله عليه وسلم من الجلد وحشوه من الليف . وإذا نظرنا إلى طعامه فقد كان يمر عليه ثلاثة أهلة وما توقد في بيوت رسول الله صلى الله عليه وسلم نار وإنما هما الأسودان التمر والماء وما شبع صلى الله عليه وسلم ثلاثة أيام تباعا من خبز برٍّ حتى قبض وكان أكثر خبزه من الشعير وما أُثر عنه أنه أكل خبزاً مرقّقا أبدا ولم يأكل صلى الله عليه وسلم على خِوان - وهو ما يوضع عليه الطعام - حتى مات بل إن خادمه أنس رضي الله عنه ذكر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه لم يجتمع عنده غداء ولا عشاء من خبزٍ ولحم إلا حين يأتيه الضيوف . والزهد في حقيقته هو الإعراض عن الشيء ولا يطلق هذا الوصف إلا على من تيسر له أمر من الأمور فأعرض عنه وتركه زهداً فيه وأما من لم يتيسّر له ذلك فلا يقال إنه زهد فيه ولذلك قال كثير من السلف : إن عمر بن عبد العزيز كان أزهد من أويس رحمة على الله الجميع وقال مالك بن دينار عن نفسه : الناس يقولون مالك زاهد إنما الزاهد عمر بن عبد العزيز أي إنه هو الزاهد حقيقة فإن الدنيا كانت بين يديه فلم يلتفت إليها . وفي وصية لقمان لابنه : واعلم أن أعون الأشياء على الدين زهادة في الدنيا ويقال من زهد في الدنيا أربعين يوما أجرى الله تعالي ينابيع الحكمة في قلبه وأنطق بها لسانه فمن أصبح وهمه الدنيا شتت الله تعالى عليه أمره وجعل فقره بين عينيه ولم ينل من الدنيا إلا ما كتب له ومن أصبح وهمه الآخرة جمع الله همه وجعل غناه في قلبه وأتته الدنيا وهي راغمة. وقال السلف الصالح ..إذا أردت أن يحبك الله تعالى فازهد في الدنيا فالزهد سبب محبة الله تعالى ولذلك صار الزاهد حبيب الله تعالى . ويقولون إن الزاهد هو من أخرج الشيء من يده ونفسه تتبعه فهو من الزاهدين ومن أمسك الشيء وأظهرت نفسه الزهد فليس من الزاهدين . وكان مالك بن دينار يقول : إذا قيل له إنك زاهد قال : إنما الزاهد عمر بن عبد العزيز جاءته الدنيا وملكها فزهد فيها فأما أنا ففي أي شيء زهدت ؟ وكما أن الإيمان قول وعمل كذلك الزهد عقد وعمل, أما العقد فهو خروج حب الدنيا من القلب بدخول حب الآخرة في القلب وأما العمل فهو إخراج المحبوب من اليد في سبيل الله تعالى مؤثرا في ذلك ما عند الله عز وجل . ومن أهم شروط الزهد الابتعاد عما يفسد القلب وكان الحسن البصري يقول :رأيت سبعين بدريا كانوا والله فيما أحل الله تعالى لهم أزهد منكم فيما حرم الله تعالى عليكم وذكر قول القائل الذي كان يعرض له المال الحلال فلا يأخذه ويقول : أخاف أن يفسد قلبي . ومن أفضل مراتب الزهد, الزهد في الرياسة على الناس وفي المنزلة وفي الجاه عندهم والزهد في حب الثناء والمدح منهم لأن كل ذلك من أكبر أبواب الدنيا عند العلماء. يقول الإمام الثوري : الزهد في الرياسة ومدح الخلق أشد من الزهد في الدينار والدرهم لأن الدينار والدرهم قد يبذلان في طلب ذلك .وإذا كان الزهد متجسدا فهو رسولنا الكريم, فلم يترك صلى الله عليه وسلم عند موته درهما ولا دينارا ولا عبدا ولا أمة ولا شيئا إلا بغلته البيضاء وسلاحه وأرضا جعلها صدقة, قالت عائشة رضي الله عنها:" توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وما في رفِّي من شيء يأكله ذو كبد إلا شطر شعير في رفٍّ لي فأكلتُ منه حتى طال عليَّ " ومات عليه الصلاة والسلام ودرعه مرهونة عند يهودي مقابل شيءٍ من الشعير.