بدأ التفكير في بناء الاتحاد الأوروبي منذ خمسينيات القرن الماضي, وتأسس وفقا لاتفاقية معاهدة ماسترخت الموقعة عام1992, ومن أهم مبادئ الاتحاد الأوروبي نقل صلاحيات الدول القومية إلي المؤسسات الدولية الأوروبية. لكن تظل هذه المؤسسات الدولية الأوروبية محكومة بمقدار الصلاحيات الممنوحة من كل دولة علي حدة. وقد وضع مجلس الاتحاد الأوروبي في عام1993 ما يعرف بشروط كوبن هاغن, لتنظيم انضمام الدول المرشحة لعضوية الاتحاد وتضم شروطا سياسية واقتصادية وتشريعية. ويعد الاتحاد الأوروبي سوقا موحدة ذات عملة واحدة هي اليورو الذي تبنت استخدامه19 دولة من أصل28 دولة هي مجموع الدول الأعضاء في الاتحاد. وفي23 يونيو2016, فاجأت المملكة المتحدة العالم بنتائج استفتاء أظفر عن انفصالها من الاتحاد الأوروبي, لتصبح بذلك المملكة المتحدة والتي تتكون من انجلترا واسكتلندا وويلز وايرلندا الشمالية كأول دولة في الاتحاد تقوم بتلك الخطوة منذ إنشائه. هذا ولم يأت قرار الانفصال عن الاتحاد الأوروبي من فراغ, فهناك أسباب دعت إلي ذلك أهمها; أن أوروبا تواجه عاصفة من الصعوبات المالية ونموا اقتصاديا هزيلا, وهو الأمر المصاحب لتدفق أعداد هائلة من المهاجرين واللاجئين, مما يزيد من الأعباء والضغوط الاقتصادية, كما أن الوضع في المنطقة المحيطة بالاتحاد غير مبشر بالخير, فهناك أزمة منطقة الشرق الأوسط والتغير المناخي والإرهاب, وهو الامر الذي جعل المملكة المتحدة تفكر جيدا في الانفصال, حيث أصبح وجودها ضمن تكتل دول الاتحاد من شأنه أن يقودها إلي تلك الصعاب التي يمر بها. ولكن هل سيقف قرار انفصال المملكة المتحدة عن الاتحاد الأوروبي عند تلك الخطوة؟, أم سيفتح هذا القرار الباب أمام دول أخري في الاتحاد لأن تفكر في الانفصال عن الاتحاد؟. فانسحاب المملكة المتحدة يشير إلي بداية ربيع أوروبي وولادة مشروع تفكيك الاتحاد وخلق أوروبا الجديدة. ومما لاشك فيه تأثير هذا الانفصال علي العلاقات التجارية والاقتصادية مع الدول الأعضاء بالاتحاد, حيث سيؤثر سلبا في اقتصادات دول أوروبية عدة. وأري أن الأمر لن يقف عند انفصال المملكة المتحدة عن الاتحاد فقط, فهذا الانفصال بمثابة الحجر الذي ألقي في بركة مياه راكدة, فمن شأن هذا القرار أن يفتح الباب أمام دول أخري من دول الاتحاد الاوروبي لكي تفكر في الانفصال, وسيلقي بظلاله الثقيلة علي التكتلات والتجارب الاتحادية الدولية الأخري, سواء الإقليمية منها أو متعددة الأطراف. فنحن الآن أمام تجربة جديدة تستحق الدراسة من كل الجوانب التجارية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية أيضا. فها هي مرشحة الرئاسة الفرنسية مارين لوبان تعلن عن أن العولمة قد دمرت فرنسا, وتصرح بأن خيار الاتحاد الأوروبي هو خيار فاشل, وأضافت أن الشعب البريطاني حينما اختار الانفصال عن الاتحاد فإنه قد اختار حريته, وستعمل علي الخروج من الاتحاد. فالاتحاد الأوروبي عند تأسيسه اختار شعار الوحدة الأوروبية, وهو اثنتا عشرة نجمة ذهبية تمثل التماسك والتناغم الأوروبي, فعدد النجوم لا يمت بصلة لعدد الدول الأعضاء, وإنما الرقم اثنتا عشرة هو رمز الكمال والوحدة وفقا للعديد من الثقافات, فعلم الاتحاد الأوروبي يمثل الوحدة بين الأوروبيين. وفي ذلك الشأن يأتي قرار انفصال المملكة المتحدة عن الاتحاد بمثابة انهيار مفاجئ في المبادئ التي يقوم عليها الاتحاد, ومن دولة ليست بالقليلة. لذا أري أن الدول عليها أن تعيد حساباتها مع الاتحاد الأوروبي من جانب وبريطانيا من جانب آخر, والاستعداد لتكرار تلك الاستراتيجيات مع الدول المتجهة نحو الانفصال.