أعلنت الصهيونية السياسية حربها علي الحكومة البريطانية وعلي كتابها الأبيض منتصف1939 وبدأت تحضيراتها السريعة لشن هذه الحرب داخل فلسطين من خلال ثلاثة اتجاهات رئيسية. أولا: أعمال الهاجاناه المنظمة السرية اليهودية التي تقوم بتنظيم الهجرة السرية غير المشروعة الي فلسطين واعتمدت علي القوة المسلحة سواء في التأمين أو اغتصاب الأرض التي ستستوطنها فضلا عن أعمال التسلل عبر الحدود البرية وفي حالات خاصة استخدام الطائرات. وقام بن جوريون رئيس الوكالة اليهودية بتكوين لجنة من الهاجاناه وعين علي رأسها شاؤل أفيجور أحد قادتها البارزين وأطلق عليها الموساد التي اتخذت من باريس مركزا لنشاطها السري بينما انطلق وانتشر وكلاؤها وعملاؤها في أنحاء أوروبا لتجميع ما أطلق عليه الأوربيون الفائض البشري.. أي اليهود المستوطنين الجدد والمهاجرين الي فلسطين.. ونفذت أعمال الهجرة في إطار خطة عسكرية منسقة تربط بين اللجنة وسفن التهريب وقيادة الهاجاناه بشبكة اتصالات قوية وفعالة ومستقرة حتي يمكن تلقي الأوامر والمهام اللازمة واتخاذ الترتيبات العسكرية والأمنية لاستقبال السفن والمهاجرين بقوات الهاجاناه علي الشواطئ الفلسطينية. ثانيا:استمرار الاستيلاء علي الأراضي الفلسطينية بالشراء.. الاغتصاب.. الإرهاب.. وإنشاء المستعمرات والمستوطنات غير الشرعية في المواقع المحددة في التخطيط المسبق والإستراتيجية وبلتباع نفس الوسائل والطرق القديمة..المستعمرات المجهزة أو سابقة الصنع.. وقد أصبح الغرض من المستعمرات هذه المرة هو اعتبارها وسيلة من وسائل الحرب ضد سياسة الكتاب الأبيض ومواجهة قوات الانتداب وتحقيق تواجد سكاني يهودي في المناطق ذات الأهمية الإستراتيجية.. لذا كان تنفيذ وإقامة المستعمرات لا يتم إلا أثناء الليل تجنبا لمرور الدوريات البريطانية اليومية. ثالثا:نشطت العمليات العسكرية والإرهابية ونشاطات العنف ضد الأهداف العسكرية والقوات البريطانية والمرافق والمنشآت العامة في جميع أنحاء فلسطين للضغط وإقناع سلطات الانتداب وبالتالي الحكومة البريطانية أنها لن تتمكن من الاحتفاظ بفلسطين كقاعدة آمنة للعمل الإستراتيجي في هذه المنطقة الحيوية من العالم بدون إرضاء اليهود وتحقيق مطالبهم في الوطن القومي لهم..وقد نفذت هذه المهمة العصابة الإرهابية المنشقة عن الوكالة اليهودية ومنظمة الهاجاناه وتسمي منظمة أرجون.. أو المنظمة العسكرية الوطنية..وتحملت مسئولية التنفيذ منذ البداية حتي تتنصل الوكالة اليهودية أمام الحكومة البريطانية من هذه الأعمال ولا تتحمل مسئوليتها.هكذا تضافرت جهود العناصر الصهيونية بأطرافها المختلفة في فلسطين لشن حرب لا هوادة فيها كان غرضها الأساسي فرض المشكلة اليهودية علي جميع الأطراف المعنية وإجبارهم علي البحث عن حل ايجابي ترضي عنه الصهيونية وحمل بريطانيا علي التخلي عن سياستها المعلنة في الكتاب الأبيض غير أن نشوب الحرب العالمية الثانية في سبتمبر1939 دفع زعماء الصهيونية العالمية إلي وقف أعمال العنف والإرهاب والكف عن إحراج الحكومة البريطانية أثناء حربها ضد العدو المشترك ألمانيا النازية وكان هذا الموقف عاما بالنسبة لجميع الاتجاهات الصهيونية العالمية لأنها وجدت ان مصلحتها الكبري تكمن في هزيمة ألمانيا لأن انتصارها يعني القضاء علي الصرح الذي شيدته الصهيونية السياسية في فلسطين بفضل مساعدة بريطانيا. ورغم توقف الأحداث الدموية في البلاد إلا أن مناخ الصراع والقتال والحرب استمر سائدا وان لم تتح ظروف الحرب العالمية الثانية استئناف هذا القتال إلا انه كان من الواضح انه سيتجدد بمجرد انتهاء الحرب إذا لم يتيسر الوصول الي حل سياسي يمنع نشوبه ولم يكن هذا الحل أمرا ممكنا فقد جمعت الصهيونية كلمتها وحددت هدفها بالسعي نحو خلق الدولة اليهودية بالقوة المسلحة لذلك كانت الحرب العالمية هي الفرصة التي لا تعوض لاستكمال بناء القوة العسكرية وإعدادها لمرحلة قادمة مبيتة..مرحلة فرض إسرائيل بالقوة المسلحة..وإلي لقاء آخر إن شاء الله. مستشار أكاديمية ناصر العسكرية العليا