أوضحت في المقالات السابقة الأفكار الاستراتيجية للصهيونية السياسية والاستعمار البريطاني لاحتلال فلسطين حيث سارعت الصهيونية بتركيز جهودها علي تنظيم الهجرة اليهودية إلي فلسطين وإقامة المستعمرات اليهودية فيها لوضع أسس الوطن القومي لليهود. حيث ارتفع عدد المهاجرين اليهود في فلسطين من(40 ألف يهودي) قبل نشوب الحرب العالمية الأولي إلي ما يزيد علي650 ألفا حتي عام1948 وما كان يتحقق ذلك إلا بتهيئة المسرح السياسي العالمي والأوضاع الدولية المناسبة لحركة الصهيونية العالمية والفكر السياسي الانجليزي المبني علي الخداع والغش والخيانة للعرب. استغلت الصهيونية السياسية كل ما سبق وبدأت خطتها بالعمل التنفيذي بعد قول بن جوريون إن وعد بلفور أو صك الانتداب من عصبة الأمم يظلان قصاصتي ورق ما لم نعمل نحن علي استحضار اليهود إلي فلسطين وتهيئة الأرض للاستيطان علي مجال واسع.. فقامت بتسريب بعض اليهود إلي أرض فلسطين ليكونوا نواة بشرية للدولة الصهيونية ثم دأبوا في العمل ليجعلوا عملية التسريب والتسلل هذه عملا معترفا به من قبل الدول الاستعمارية المستفيدة من إقامة وتنفيذ المشروع الصهيوني وفي حالة نجاحها فان ضغوطها علي هذه الدول يحقق الاعتراف بالمنظمة الصهيونية وأهدافها الاستيطانية وبقدرتها علي إقامة دولة يهودية في فلسطين وذلك لان الدبلوماسية لو كللت بالنجاح تظل الاتفاقات الناجمة عنها إطارات خاوية ما لم تحقق الحركة الصهيونية عن طريق الانجاز الاستيطاني المحتوي المادي اللازم لهذه الاتفاقات. وبعد توافر حجم المهاجرين اللازم لمل مرحلة استيطانية قام البريطانيون بتمكين هذا الحجم من الأرض المطلوبة وكذا تقنين الوضع السياسي لهم وذلك بخلق المشاكل بين المهاجرين المستعمرين والسكان العرب أصحاب الأرض ويتدخل البريطانيون لفض وحل النزاع بحلول وسط تمكن المهاجرين اليهود إما بجزء من الأرض لإقامة المستوطنة المطلوبة أو الاشتراك في المجالس البلدية والعرفية والإدارات المحلية في القري والمدن للمحافظة علي حقوق الجميع بما فيهم المستعمرون اليهود وتمكينهم علي حساب العرب. بدأت الموجة الثالثة من الهجرة اليهودية إلي فلسطين في أعقاب الحرب العالمية الأولي في عام1919 وانتهت عام1923 وبلغت90 ألفا وعندما وضعت فلسطين تحت الانتداب عام1920 أصبحت الهجرة اليهودية شرقية بعد أن سمحت بها حكومة الانتداب ووضعت لها صوريا سعة استيعابية وكان القسم الأكبر من المهاجرين لفرقة العمال التي أقامت المستعمرات الجماعية( كيبوتزيم) وكذا الاشتراك في المجموعات العسكرية الصهيونية وأصبحت صورة العامل الذي يحمل الفأس في احدي يديه والبندقية في اليد الأخري هي السائدة لليهود في أرض فلسطين كما تم إقامة مستعمرات الناحال الشباب الطلائعي المحارب في مواجهة الحدود المصرية وشرق الأردن والسورية واللبنانية. وفي عام1924 بدأت موجة الهجرة الرابعة( العلياه الرابعة) وانتهت عام1926 وبلغت60 ألف نسمة معظمهم من بولندا وليتوانيا وروسيا ومن الطبقة المتوسطة واستمر بناء المستوطنات والمستعمرات حتي بلغ عددها100 مستعمرة وبلغ عدد اليهود160 ألف نسمة وهذا يرجع إلي دعم سلطات الانتداب لليهود وعلي حساب العرب وتم الاعتراف بمبدأ تمثيل اليهود في المجالس المحلية والجمعيات واللجان الوطنية وأصبحت اللغة العبرية لغة رسمية في فلسطين وتم افتتاح الجامعة العبرية في ابريل1925 في احتفال عالمي كبير وتم إنشاء المنظمة العسكرية الصهيونية السرية الهاجاناه ومنحت الشركات الصهيونية امتياز الأعمال الرئيسية الهامة كالطرق والكهرباء كما أنشئت المحاكم اليهودية وتكونت الأحزاب واتحاد العمال( الهستادروت).. وإلي اللقاء القادم إن شاء الله. مستشار أكاديمية ناصر العسكرية العليا