انفضت مباحثات مؤتمر لندن الذي دعت اليه بريطانيا وعقد في فبراير1939 دون تحقيق أي نتائج ايجابية بسبب تعنت الصهيونيين وتشددهم وإصرارهم علي اغتصاب الحقوق الفلسطينية واكتساب أكبر مساحة من الاراضي الفلسطينية والعربية واعتبر القادة الصهيونيون مباحثات لندن نقطة تحول في تاريخ العلاقات بينهم وبين القادة البريطانيين منذ عام1917 حين صدر وعد بلفور الشهير... ذلك بعد أن اتضح لهم أن مشروعهم الخاص بالاستيلاء علي فلسطين قد تعدي الحد الذي تسمح به الحكومة البريطانية في هذا الوقت بالذات لما يتطلبه العمل الدبلوماسي البريطاني لتجهيز المسرح السياسي الدولي للحرب القادمة. في17 مايو1939 أعلنت الحكومة البريطانية سياستها التي ستنتهجها خلال الفترة المقبلة بشأن فلسطين وضمنتها الوثيقة التي عرفت باسم الكتاب الأبيض لعام1939 والذي وضع الأساس للنظرة الشاملة للمصلحة البريطانية في منطقة الشرق الاوسط وعلي ضوء ما تمت دراسته للاحداث السابقة وتطورات الموقف العالمي واحتمالاته خلال السنوات القليلة التالية والتي كان ينتظر ان يتحول الصراع الدولي خلالها الي حرب عالمية ثانية. حدد الكتاب الأبيض هدف الحكومة البريطانية خلال تلك الفترة في العمل علي إنشاء دولة مستقلة في فلسطين مع تهيئة الاوضاع السياسية في فلسطين لفترة انتقالية لمدة عشرة أعوام يعطي خلالها نصيب أكبر في حكم البلاد لكل من العرب واليهود معا حسب نسبة السكان في فلسطين علي ألا يسمح بالهجرة اليهودية الي فلسطين إلا في حدود خمسة وسبعين ألف مهاجر يهودي خلال خمسة أعوام بمعدل خمسة عشر ألف يهودي كل عام وذلك حتي يصل عدد اليهود في فلسطين الي ما يعادل ثلث سكان البلاد تقريبا وبعد ذلك لا يسمح بالهجرة إلا بموافقة العرب, أما موقف ملكية الأرض فقد تم تكليف المندوب السامي البريطاني بتنظيم عمليات انتقال ملكية الأرض بالبيع, ومنح صلاحية منع انتقال الأراضي وكذا تحديد المناطق التي يباح أو يمنع فيها ذلك وفقا لما جاء بتوصيات لجنتي اللوردين بيل ووهيد السابقتين. أحدث الكتاب الأبيض رد فعل عنيف في الأوساط اليهودية اذ عصف بسياسة التقسيم التي اعتبرها الصهيونيون بداية عهد جديد حتي ان بن جوريون وصفه بأنه وثيقة مشينة سيئة السمعة اما الوكالة اليهودية فقد سارعت في اليوم التالي مباشرة الي اصدار بيان يصف الكتاب الأبيض بأنه استسلام للإرهاب العربي وانه قد سرق آمال اليهود في ساعة من احلك ساعات تاريخهم واتهم بريطانيا بأنها وضعت يدها في يد أعدائها وحفرت هوة سحيقة بين العرب واليهود الذين لن يقررا أن يتحول وطنهم القومي الي جيتو. وهكذا أعلنت الصهيونية السياسية حربها علي بريطانيا وعلي كتابها الأبيض في منتصف1939 وبدأت تحضيراتها السريعة لشن هذه الحرب داخل فلسطين بواسطة منظمتها السرية هاجاناه ومن خلال ثلاثة اتجاهات رئيسية ومهمة كالآتي: أولا: العمل وبكل جدية علي استمرار الهجرة اليهودية غير الشرعية وبكل السبل والطرق شرعية كانت ام غير شرعية وسواء كانت برية عبر الحدود او جوية بالطائرات او عبر البحر بالسفن. ثانيا: الاستعمار غير الشرعي وذلك بالاستمرار في الاستيلاء علي الاراضي الفلسطينية بطرق شرعية مثل شراء الارض او غير الشرعية لإقامة وإنشاء المستعمرات والمستوطنات في المواقع والاماكن الاستراتيجية التي تساعد علي تكثيف الاستيطان مستقبلا. ثالثا: الارهاب والأعمال العسكرية ضد قوات الانتداب البريطاني والمرافق العامة في فلسطين وتنفذ هذه الاعمال بواسطة منظمة أرجون الإرهابية. والي تفاصيل أكثر في المقال القادم ان شاء الله. مستشار أكاديمية ناصر العسكرية العليا