كان النبي- صلي الله عليه وسلم- مرهف الحس فياض العاطفة رقيق الشعور, عظيم الرحمة وقد حفظت لنا كتب السير والسنن مواقف مختلفة مرت به- صلي الله عليه وسلم- فاهتزت لها مشاعره وتأثر بها وجدانه فيحزن قلبه وتدمع عيناه ويبكي. عن علي- رضي الله عنه- قال: لما ماتت فاطمة بنت أسد بن هاشم- رضي الله عنها- كفنها النبي- صلي الله عليه وسلم- في قميصه, وصلي عليها فكبر عليها سبعين تكبيرة ونزل في قبرها فجعل يومي في نواحي القبر كأنه يوسعه ويسوي عليها, وخرج من قبرها وعيناه تذرفان, وحثا في قبرها, فلما ذهب قال له عمر بن الخطاب: يا رسول الله! رأيتك فعلت في هذه المرأة شيئا لم تفعله علي أحد! فقال: يا عمر! هذه المرأة كانت أمي بعد أمي التي ولدتني, إن أبا طالب كان يصنع الصنيع وتكون له المأدبة وكان يجمعنا علي طعامه فكانت هذه المرأة تفضل منه كله نصيبا فأعود فيه, وإن جبريل أخبرني عن ربي أنها من أهل الجنة, وأخبرني جبريل أن الله تعالي أمر سبعين ألفا من الملائكة يصلون عليها'. أخرجه الحاكم في المستدرك. الصحابية الجليلة فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف- رضي الله عنها- زوجة أبي طالب عم النبي- صلي الله عليه وسلم- وأم علي بن أبي طالب وجعفر وعقيل- رضي الله عنهم- قامت علي تربية النبي- صلي الله عليه وسلم- لما كان في كفالة عمه أبي طالب وأسلمت بعد وفاة أبي طالب وهاجرت إلي المدينة وتوفيت في حياة النبي- صلي الله عليه وسلم- فدخل عليها وجلس عند رأسها فقال: رحمك الله يا أمي, كنت أمي بعد أمي, تجوعين وتشبعينني, وتعرين وتكسينني, وتمنعين نفسك طيبا وتطعمينني, تريدين بذلك وجه الله والدار الآخرة, ثم أمر أن تغسل ثلاثا فلما بلغ الماء الذي فيه الكافور سكبه رسول الله بيده ثم خلع رسول الله- صلي الله عليه وسلم- قميصه وكفنها فيه وصلي عليها وكبر عليها سبعين تكبيرة ونزل في قبرها واضطجع فيه وأخرج ترابه بيده ثم سوي عليها التراب, وهنا بكي النبي- صلي الله عليه وسلم- فيقول له عمر بن الخطاب- رضي الله عنه: ما رأيناك صنعت بأحد ما صنعت بهذه فيقول- صلي الله عليه وسلم: إنه لم يكن أحد بعد أبي طالب أبر بي منها, ولقد جاء جبريل وبشرني بأنها من أهل الجنة وبأن الله أمر سبعين ألفا من الملائكة يصلون عليها.