هل من الوفاء أن أحرم نفسي من الدنيا والسعادة التي تنتظرني؟ تساؤل يثير في نفسي تناقضات كثيرة تحيرني وتملأني خوفا من غد أراني فيه, وقد تضاءلت صغرا وخذيا أمام شقيقتي الكبري. أكتب إليك سيدي كي أسترشد طريقي وأعرف إن كان يمكن للإنسان أن يرث الحب مثلما يرث أرضا أو عقارا؟ في طفولتي كنت أمرح في الدنيا بشقاواتي البريئة لا ألوي علي شيء ألعب مع أختي الوحيدة التي تكبرني بعامين ونتعارك أحيانا علي دمية أو من منا تفوقت علي الثانية في اللعب. كان الحب يجري في دمائنا مجري الحياة التي توأمتنا سويا حتي عندما توفي والدي, وكنت بعد في الجامعة كانت شقيقتي تتولي مسئوليتي وأمي في كل شيء وكأن الأب لم يمت, وحتي عندما لحقت أمي به لم تشعرني بغيابهما, وكانت لي أبا وأما تقشع عتمة الوحدة من حولي. ويعلم الله كم كانت فرحتي يوم أن تقدم لها يوما رجل كانت تحبه إلي حد العشق كما قالت لي ورقصت فرحة في زفافها, وكأنني العروس لا هي وعشت معهما وكان زوجها أخا لم تلده أمي يبذل نفسه وجهده لكي يسعدني وشقيقتي. مضت بنا الدنيا حبا وسعادة ورزقنا الله سبحانه وتعالي بطفل جميل كان الشمس التي أشرقت في دنيانا.. أضاء ليل الحزن البعيد علي أب وأم رحلا قبل أن يريا هذا اليوم, وظننت وقتها أن الحزن لم يعد له مكان بيننا وأنه رحل عنا بغير رجعة. ولكنها الأقدار ومشيئة الله عز وجل التي جعلت من أختي الوحيدة تسقط في براثن مرض عضال أحاط شباكه العنكبوتية حولها محكما إرادة الموت فيها. أجل ماتت أختي دون أن تعلمني كيف أعيش من دونها.. غادرتني وطفلها وزوجها ومرارة اليتم تحتل الحلق منا نتجرع آلام فراق لن يدانيه يوم تلاقي. واليوم أراني أنا الأخت الصغري الثكلي في كل عائلتها وحيدة شريدة إحساس الضياع يلاحقني لم ينقذني منه إلا زوج أختي نفسه الذي أحاطني بعطفه ورعايته, والطفل الذي تركته أختي أمانة في رقبتي. قررت أن أكون له الأم والعوض عن حنان يتمته الأيام منه, ورغم أن زوج أختي قرر بعد وفاتها أن يعيش مع أمه إلا أنه لم يكن يمضي يوم حتي يأتي إلينا ويلبي احتياجاتي والصغير وارتبطت به ارتباطا قويا سندا ودعما في الحياة. لم يدر بخاطري أن أحبه يوما حب امرأة لرجل بات كل حياتها. كلما جال بخاطري معني كهذا أكره نفسي وأجلدها خذيا وخسة وعقوقا لأختي الراحلة فأنا لا أطيق الغدر بها في مشاعرها نحو رجل عشقته حتي الجنون. الأكثر من هذا موقف زوج أختي الذي بادرني بأمر هو الصدمة الحقيقية التي زلزلتني. قال لي إنني أذكره بأختي التي أحبها ولا يستطيع أن يري من النساء غيرها. طلبني للزواج وقال لي إنه بزواجه مني يحقق ميراث الحب الذي تركته الراحلة, وأننا سوف نتكئ علي حياتنا سويا ونعيش من أجل الولد ورعايته. كلما فكرت في ذلك أشعر بالجنون.. كيف لي أن أحتل مكان أختي في قلب زوجها؟ ل س الإسكندرية ترفقي بنفسك يا فتاتي فالحياة أبسط كثيرا من كل هذا التعقيد واعلمي أن لأختك الراحلة حقا عليك فقد تركت لك أمانة هي الأهم في حياتك وحياة زوجها, ولو لم يكن هناك سبب آخر غير رعاية هذا الطفل بينكما لكان حتما عليكما الزواج من أجله. أما أمر مشاعرك التي تنكرينها علي نفسك استعذابا لفكرة الوفاء واجترارا لعذابات تأنيب الضمير لهو أمر من أمور الحياة التي غادرتها أختك لرحاب عالم أبدي تتلاشي فيه كل آليات الحياة التي نتعارف عليها. لهذا هي لم يعد لها حاجة لا بالحب ولا بآليات الحياة كلها كل ما هي في حاجة إليه الدعاء بالرحمة وصدقة جارية تنتفع بها أو ابن صالح يدعو لها, وهنا تكمن الأمانة التي تركتها في عنقك, وهو الطفل الذي يحتاج لرعايتك وتنشئته تنشئة سليمة حتي يكون بارا بك وبأمه. وصدق الرسول الكريم نبينا محمد صلي الله عليه وسلم عندما قال:( سبع يجري للعيد أجرهن وهو في قبره بعد موته: من علم علما نافعا أو أجري نهرا, أو حفرا بئرا, أو غرس نخلا, أو بني مسجدا, أو ورث مصحفا أو ترك ولدا يستغفر له بعد موته). ومن هذا أقول لك تمسكي بالأمانة في يدك واجعلي من الحب في قلبك طريقا تتواصلي به مع الحياة التي أعطتك حقا في السعادة مع رجل كان أهلا لحب أختك وأهلا لاحترامك وهي علي قيد الحياة, ولعل رغبته في الزواج منك بداية جديدة لك وله, فالحياة لن تتوقف وتنتظركما فاحزمي أمرك اتكالا علي المولي سبحانه وتعالي ولا تركني لأحاسيس وهمية لا أساس لها.