بعدما انفجرت ثورة الشباب في ميدان التحرير وفي عموم مصر وأسفرت عن تحولات تتجاوز كل أحلام المصريين حتي أكثرهم تفاؤلا من تنحية رأس النظام وفتح ملفات الفساد وتغيير الحكومة وفرض واقع جديد في المجتمع المصري وفي الشرق الأوسط والعالم بأسره, كان لابد من استطلاع آراء الخبراء والمختصين عن مستقبل الأيام المقبلة في البلاد, وهو ما دفعنا للتوجه إلي اللواء سامح سيف اليزل الخبير الاستراتيجي لمعرفة تصوراته حول مستقبل مصر وانعكاسات ما جري بها والمخاطر المحيطة بها الي غير ذلك من تساؤلات وكان الحوار التالي: ** رؤيتك لمستقبل مصر علي كافة المستويات في ضوء التطورات التي احدثتها ثورة25 يناير؟! مصر تتحول إلي الأفضل, ليس أمامنا إلا أن نكون الافضل مما كنا عليه, فمصر تستحق ان تكون افضل وان تكون في الريادة. تاريخيا واقليميا ودوليا.. الجميع ينظر الي مصر نظرة خاصة, والكل كان يترقب ويتابع ما يحدث بها لوزنها وثقلها, وعليه يجب ان تكون افضل مما كانت عليه, وهو خيار وحيد. فعلي المستوي السياسي, أتصور ان مصر لم تتأثر علاقاتها بأي دولة بعد25 يناير عما كان قبلها حتي الآن, والرؤي الممكنة للدول الغربية والولايات المتحدةالامريكية كانت كلها تنصب في تأييد الثورة وضر ورة احداث التغيير, كما ان الصمت العربي يبرره انه كان عليه ان يتريث حتي تتضح له الأمور, والجميع أيد الثورة, بعد نجاحها وأقر بضرورة التغيير. وعلي المستوي الاقتصادي هناك تأثير كبير سيستمر لفترة, فقد اكد لي وزير المالية الدكتور سمير رضوان أمس ان مصر كانت تخسر يوميا1,9 مليار جنيه خلال الأزمة, وهو ما يعني أن خسارتنا تقترب من40 مليار جنيه, يضاف إليها تأثر السياحة لفترة قادمة لإحجام السائحين عن الحضور لمصر لحين استقرار الأوضاع واطمئنانهم للوضع الأمني الداخلي, وهو ما سيستغرق فترة بناء علي تقديرات المختصين في الشأن السياحي, وهو ما يشكل خسارة إضافية علي الاقتصاد المصري والدخل القومي. أضاف اللواء سامح سيف اليزل: وعلي المستوي الاجتماعي هناك محوران: المحور الأول ظهور طائفة من الشباب بثقل سياسي في الساحة السياسية المصرية يضاف الي التعددية الحزبية والسياسية الأخري, ونأمل أن يأخذ وضعه في المرحلة القادمة بشكل يؤثر في النهاية لصالح البلاد. المحور الثاني: تكاتف عامة الشعب المصري بكل طوائفه وتوحيد ارادته وكلمته خاصة في رد الفعل التلقائي في تشكيل اللجان الشعبية لحماية أرواحهم وممتلكاتهم من كل الأعمار والطبقات دون تمييز وهو ما نتوقعه من الشعب المصري في مثل هذه المواقف وانعكاسات. * ما انعكاسات ما حدث علي المستوي الإقليمي؟! زاد احترام الدول الإقليمية لمصر وشعبها, وإرادة التغيير التي نبعت من الشعب قوبلت بترحاب كبير من الدول المحيطة بنا في الشرق الأوسط, وفي تقديري هذا زاد من ثقل مصر إقليميا وزاد من احترام الشعوب لها فضلا عن الحكومات للشعب المصري وحركته الثورية. ** هل هناك مخاطر علي الأمن القومي المصري بسبب الظروف الاستثنائية التي تمر بها البلاد؟ المخاطر قائمة, ويجب التحسب لها, وإذا سلمنا بأنه لا توجد مخاطر فهو أمر غير وارد, ونحن بذلك نعرض الأمن القومي المصري لأشكال عديدة من المخاطر. إلا أنه يجب أن يكون معلوما ان الأمن القومي المصري ليس موكلا فقط علي الجهات الرسمية والأمنية والعسكرية للدولة, ولكن المشاركة الوطنية من المواطنين والشعب وتحمل مسئوليته تجاه الأمن القومي, فهي مسئولية مشتركة مع كل الأجهزة الأخري المسئولة عن ذلك. ** كيف تري تحريك أمريكا لحاملات طائراتها قبالة دمياط وسفاجا؟ في تصوري أن تحريك الأساطيل الأمريكية في المياه الإقليمية القومية القريبة من مصر في البحرين الأبيض والأحمر لم تكن بغرض التدخل في الشأن المصري, أو لحماية النظام السابق أو لمحاولة التصدي للثورة الشعبية وإنما كانت لتأمين الخط الملاحي لقناة السويس, والدليل علي ذلك التصريح الصادر من رئيس الأركان المشتركة مايك مولن في اليوم الثالث من الانتفاضة الشعبية عندما أكد أن أمريكا تهتم بتأمين مسارات الملاحة العالمية المختلفة خاصة فيما يتعلق بناقلات النفط من الشرق إلي الغرب, وهو التحرك الذي تم من الأساطيل الأمريكية بعد هذا التصريح بضمان استمرار الملاحة في القناة لتأمين وصول الطاقة إلي الغرب وأمريكا في الشتاء الثلجي العاصف الذي لم تشهده أوروبا منذ سنوات طويلة, وذلك تأمينا لاستمرار عمليات التدفئة للمواطنين في هذه الدول. ** ما صحة تعبئة إسرائيل لقواتها العسكرية علي الحدود المصرية؟ إسرائيل لن تغامر باتفاقية السلام مع مصر في التصرف بعدم مسئولية وبشكل عدائي يثير حفيظة المصريين مما قد يعطي مصر اختيارا واحدا هو قطع العلاقات الدبلوماسية معها والعودة للوراء إلي زمن الحروب وهو ما لا تبغيه إسرائيل علي الإطلاق, خاصة بعد مرور30 عاما وأكثر من العلاقات الدبلوماسية التي لم تنقطع رغم صعود وهبوط حميمية هذه العلاقة في الكثير من الأحيان. ** ماذا يمكن أن يطرأ من تحولات مفاجئةعلي ملفات( حوض النيل جنوب السودان المد الثوري في المنطقة)..؟! التوازنات في العلاقات السياسية الإقليمية والدولية موضوعة في حسبان الحكومة المصرية والملفات المؤثرة علي الأمن القومي المصري مثل العمق الاستراتيجي الذي يصل حتي جنوب السودان والذي يشترك أيضا معه في قضية مياه النيل, أتصور أن له أولوية أولي حاليا وفي الفترة المقبلة, ولا يخفي علي أحد أن انفصال جنوب السودان الذي وقع بالفعل وتبدأ الدولة الجديدة في الانفصال والاستقلال اعتبارا من يوليو القادم يفرض علي مصر ضرورة تعديل سياستها مع السودان شمالا وجنوبا لضمان تأمين العمق الاستراتيجي الجنوبي لمصر بما يكفل استمرار تدفق المياه بدون مشكلات فضلا عن الوجود المصري القوي في الدولتين علي المستويات السياسية والتجارية والتعليمية والفنية( الزراعة السدود الكهرباء).