وقال الدكتور إسماعيل سراج الدين إن الإقبال المتزايد عاما بعد عام علي معرض مكتبة الاسكندرية للكتاب من قبل الجمهور والناشرين, أحيانا يجعلنا نتمني أن تكون في الاسكندرية قاعة دولية للمعارض تتناسب مع متطلبات النمو والإقبال المتزايد علي معرض مكتبة الاسكندرية للكتاب, مؤكدا أن مكتبة الاسكندرية تحرص من خلال هذه المظاهرة الثقافية الكبري أن تؤكد اهتمامها بالكتاب في هذا العصر الذي تسيطر عليه ثقافة الصورة ويسبح الخيال في فضاء الإنترنت الذي يموج بكل الأفكار من الاندماج إلي التفكيك ومن اليقين إلي التمرد, ومن الدعوة إلي التطرف إلي الانغماس في المادية المفرطة. وشدد علي إيمانه بأن الكتاب هو الآلية الأساسية لحفظ الذاكرة, وتأكيد الهوية, والتواصل عبر الزمان والمكان, فالكتب بمثابة الجسور بين الأجيال, والكتب تربطنا بالماضي, وتوثق الحاضر وتستشرق المستقبل, كما أن الكتاب يحتاج إلي إبداع المؤلف واهتمام القاريء, وأيا كان لأمة من تراث وآثار, فقوتها الثقافية الحية المتجددة بالكتابة والقراءة هي التي تمثل الطاقة المتجددة والمبدعة للإنسان, والقدرة المجتمعية علي مواجهة التحديات الطبيعية والبشرية والتفوق علي ضروراتها. وأكد أن مكتبة الإسكندرية تفتح النوافذ علي إنتاج العالم أجمع, وتفتح الأبواب للشباب والجيل الصاعد من مجتمعنا مشددا علي أنه ينتمي إلي هؤلاء الذين يؤمنون بدور الثقافة في المجتمع ولايري قيام مشروع حضاري عربي بدون التركيز عليها. وأضاف: لاغرابة أن يكون ضيف هذا المعرض هو سمو الأمير تركي الفيصل, وكذلك مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الاسلامية, فسمو الأمير رجل يعتز بدينه وبثقافته فضلا علي كونه مفكرا منفتحا علي ثقافات العالم متفاعلا معها, يسمع للرأي والرأي الآخر ويلتزم بالحجة والبرهان في الموازنة بين الأمور. وشدد علي أهمية الكتاب, خصوصا في هذه الفترة التي تعثرت فيها مسيرة الشعوب العربية, وأنه يري قوي التخلف والوحشية تقوض أعمدة المجتمعات والدول, وتطيح بكل ما حولها من شواهد الرقي والحضارة, وتسفك الدماء وتفرض نظرتها السياسية بالعنف, ورؤيتها للتاريخ بالقوة, وتبطش بكل من لاينصاع لأوامرها ولايتفق مع آرائها وتفعل ذلك القهر والتعذيب والتخريب باسم الدين, والدين منها براء. وأوضح أن العرب والمسلمين هم الذين رفعوا راية العلم والمعرفة, منذ أكثر من ألف عام, حين تمردوا علي النص الأرسطي الموروث وأرسوا قواعد المنهج العلمي الحديث المبني علي التجريب والقياس, وذلك قبل ستة قرون من ظهور جاليليو, الذي أجبرته محاكم التفتيش في أوروبا علي التراجع, بينما كان العلم بأيدي عمالقة مثل ابن الهيثم يتقدم في العالم العربي الاسلامي. لكنه اعترف أن كثرة تغنينا بميراثنا الحضاري القديم, دون إدراك حقيقي لمقوماته أدت إلي أننا نظن في كثير من الأحيان أن الماضي والحفاظ عليه وتقديسه هو النموذج الذي ينبغي احتذاؤه في صناعة المستقبل, وهذا أكثر الأوهام فتكا وأشدها ضلالا. وأضاف: ثمة مشكلة حساسة, آن لنا أن نواجهها بشكل حاسم ونهائي, وهي إقحام الدين فيما لاعلاقة له به, وتحكيم رجال الدين في مختلف شئون الحياة, وانفجار عصر الفتاوي العشوائية, واستطرد قائلا: إن الميزة الكبري للإسلام هي الاهتمام القاطع بشئون الدنيا والاحتكام للخبرة الانسانية في إدارتها, منذ حادثة تأبير النخل الشهيرة في التراث الإسلامي وكلمة الرسول( صلي الله عليه وسلم) الجامعة: أنتم أعلم بشئون دنياكم. وأضاف: وإنني أري أنه من الضروري ألا نقحم الدين في أمور, الرأي فيها ليس لعلماء الدين ولكن لأهل التخصص, لأنها أمور لاتتعلق بالحل والحرمة, بل بالصواب والخطأ قياسا علي المصلحة العامة القابلة للتغير حسب الزمان والمكان والظروف, وانتقل بحديثه إلي قضية حرية التعبير, مشددا علي أنه بدون حرية التعبير لامعني للبحث عن الحقيقة, ولاجدوي من التوصل الي هذه الحقيقة, لاتوجد الشفافية, ولاتتم المساءلة, لايسمع الصوت المغاير, ولايأتي الجديد, لابحث علميا, ولا اكتشافات تفيد, ولاتبني المعرفة ولاتتقدم المجتمعات. وأضاف أنه من الغريب أننا نشهد في الآونة الأخيرة تغيرات ثقافية مقلقة.. فبينما نجد الأنظمة الحاكمة التي كانت في الماضي تصادر حق المفكرين والمبدعين, وتفرض رقابة شرسة علي ما ينتجون, وتضرب حصارا علي ما يمكن للشعوب أن تسمعه أو تراه أو تقرأه نجدها الآن وقد أفسحت المجال كثيرا عما قبل, وأتاحت هامشا من الحرية مارسه أجدادنا, ولكن آباءنا لم يكونوا ليحلموا به, فإذا بالمجتمع نفسه تضرب فيه تيارات رافضة للجديد, تضيق دائرة المقبول, تحارب كل دخيل, بل ترفض كل مايخالف نظرتها الخاصة للمجتمع والتاريخ وبعضها يغلب عليه التطرف والغلو إلي التكفير وسفك الدماء. وأوضح أنه لضمان تأسيس مجتمعات المعرفة وتأصيلها في وعينا الجماعي وارادتنا الكلية يجب الالتزام بالتطورات المنهجية للعلوم الطبيعية والإنسانية دون تفرقة ومساءلة الموروث الثقافي ونقده بل نقضه أحيانا اعتمادا علي الحجة والبرهان وتغليبا للمصلحة العامة والتقيد بمنظومة القيم الاخلاقية لعصر العلم مع الحفاظ علي المرتكزات الروحية لثقافتنا القويمة. ومن جهته قال الأمير تركي الفيصل إن مكتبة الإسكندرية هي درة البحر الأبيض وجامعة الحضارات وهنأ القائمين علي المكتبة لما تقدمه للعالم من العلوم والتقنية مما يجعلها مفخرة للعرب والمسلمين والبشرية جمعاء مؤكدا أن العلاقة بين مصر والسعودية تتجذر في أعماق التاريخ وتعود لمراحل سابقة علي رسالة الإسلام وفقا لبعض النقوش المكتشفة حديثا. وتحدث عن العلاقة بين مصر والسعودية كدولتين حديثتين مؤكدا أن الروابط بينهما وثيقة في الجوانب الدينية والسياسية والاقتصادية. وأضاف أن المملكة العربية السعودية وقفت إلي جانب مصر في المحنة المعاصرة وذلك نهج الملك عبدالله بن عبدالعزيز رحمه الله ويسير عليه الملك سلمان مبينا أن أحدث تلك المواقف كانت في المؤتمر الاقتصادي بشرم الشيخ, وقال إن المملكة اعتمدت علي مصر في مجال التعليم حيث قامت في الخمسينيات بارسال البعثات لتلقي العلم من جامعاتها كما أن أغلب المعلمين الذين درسوا في المدارس والجامعات السعودية كانوا من المصريين وأن أول مسئول ترأس أول جامعة سعودية كان مصريا, وهو الدكتور عبدالوهاب عزام. وأوضح أن الكثير من العلماء والأدباء اعتمدوا علي نشر نتاجهم الثقافي في دور نشر ومطابع مصرية كما أن المملكة من أكبر الدول التي تشارك في معرض القاهرة الدولي للكتاب وها هي تشارك من خلال المركز بحضور مميز في معرض مكتبة الإسكندرية ومركز الملك فيصل للدراسات والبحوث مؤكدا أن المركز يعد من أكبر الداعمين للمكتبة كما أنه يشرف بعضوية مجلس أمنائها. وأعلن أن المركز قام بإهداء المكتبة مخطوطات نادرة لكي تحظي بإيواء لها يحفظ عزتها وكرامتها كنتاج نادر للفكر العربي والإسلامي كما أن المركز يحتفظ بالنسخة الوحيدة لكتاب تكملة تاريخ الجبرتي ويسعي لنشره مع المكتبة. وأضاف أن المركز سيهدي المكتبة نسخا كاملة من المخطوطات التي يحصل عليها فور الانتهاء من ترميمها كما أن المركز يسعي لإتاحة إصدارات المكتبة علي موقعه بالاضافة إلي العمل علي إتاحة مجموعات المركز لجمهور المكتبة. وأعلن الدكتور خالد عزب أن مكتبة الإسكندرية قد أهدت كل مطبوعاتها لمركز الملك فيصل للدراسات والبحوث, كما قام المركز بإهداء مطبوعاته للمكتبة. وقام الدكتور صديق عبدالسلام صديق نائب رئيس جامعة الإسكندرية بتسلم إهداء المركز للجامعة. وقام الدكتور خالد عزب بعرض صور نادرة يتيحها موقع ذاكرة مصر المعاصرة بمكتبة الإسكندرية للملك فيصل بن عبدالعزيز آل سعود في أثناء زيارات قام بها إلي مصر, ولقائه مع عدد كبير من الزعماء المصريين كالرؤساء محمد نجيب وجمال عبدالناصر وأنور السادات. كما تم عرض فيلم نادر حول زيارة الملك فيصل بن عبدالعزيز آل سعود مصر لدعمها بعد نكسة1967 ولقائه مع الرئيس جمال عبدالناصر.