يميل الباحثون إلي الربط بين القدرة علي الاضحاك والقدرة علي التعبير اللغوي, فالبارع في ابتكار الحديث الظريف اللطيف الذي يبعث علي البهجة والابتسام شخص مرح بطبعه وجاد أيضا لكنه عند الكاتب الذي يمارس هذا النوع من الكتابة الفنية يحتاج إلي حس عميق بفاعلية الضحك وإلا يصبح مسفا ونحن بصدد مشهد بشري متعدد الطبقات فيها نشاط ذهني, ميول اجتماعية, قدرات لغوية في اختيار العبارات والألفاظ وتركيب المواقف وبعد نظر يصيب الشيء الطريف من الاشكاليات والتي نشاهدها نحن في الحياة ولا تنتزع منا حتي الابتسامة, فحتي النزعات العدوانية والتي تنتج عن حادثة سير أو كسر اشارة أو تنازع علي أولوية المرور. يمكن أن يري فيها الكاتب الساخر اقصوصة ظريفة, أن رواها بطريقته قد تنتزع الضحكات علي الصفحات وربما قلت في نفسك لقد جربت هذا الأمر ولم يكن طريفا إلي هذا الحد, كل ما نلته هو فوران الدم وحبسة الغضب وحزمة شتائم من المنتقي, ولاننا شعب صاحب أصل وروح جميلة وابن نكتة وضحكته صافية فإن القلائل من الكتاب هم من يصمدون معنا مثل المرحوم/ محمود السعدني وأحمد رجب فتجربة الكتابة الساخرة مرة وتكوين جمهورها كنحت مسلات الفراعنة به الكثير من العزم والاجتهاد, علينا إذن أن نحاول تفسير ظاهرة شريف أسعد صاحب كتاب( اعترافات جامدة) الذي يطبع كميات إضافية منه لاشتراكها في معرض القاهرة الدولي للكتاب القادم والذي جاء في سيرته المهنية أنه خريج تجارة ومؤسس التيار الكوميدي وناجح بالعافية من جامعة القاهرة فما هي تلك الاعترافات الخطيرة التي يتضمنها هزليات(265) ورقة من الحجم المتوسط, اعتمد شريف علي مركب سيكولوجي فعال جدا في عملية الاضحاك اللفظي لاثارة عصب المخ والجهاز السمباثاوي علي غرار الاستثارة العضوية والتي تدفع الإنسان للتجاوب معها للحظات ريثما يتم تسكينه مرة أخري, فنحن امام كاتب يمارس ذلك بالسليقة دون وعي منه أو دراسة نظرية أو علمية( ناجح بالعافية) لكنه موهوب في ذلك( شد وجذب ثم ارتخاء وسكون) وحقا الموضوعات جعلها علي شكل اعتراف واحد ثم اثنين وهكذا ليس فيها موضوع واحد معقول أو موضوعي أو له فكره أو حتي لديه هدف, ولم يفعل ذلك والكتاب كله هوجة تنفيس تتراءي شخصياتها أمامك وتتراقص في الحياة كأنها جزء من عالمك ومطالب أن تضحك عليها وأن تأخذ الحياد في انشراح عام نتيجة لتعطل الآليات المسببة لرد الفعل الساخط علي عيشتك, الكاتب يتمتع بمزاج تفاؤلي وقادر علي نقله بطريقة العدوي, فحتي لو لمت نفسك علي شراء هذه الاعترافات بثمن كيلو جمبري فانك سوف تندمج وسط جماعة ضاحكة هازئة من أحوال دنياك وللغرابة سوف تجري في البيت لزوجتك أو لأختك أو لأمك مسمعا اياها مقطعا من تلك أو نكتة من هذه, الكتاب دعاياته هزلية لا تقبل الترجمة من لغة لأخري ولا حتي عربي فصيح بالمناسبة اللغة عامية دارجة في الحضيض ولكنها ليست قليلة الرباية وكما قال( برجسون في دراسته عن الكوميديا) لكي نضحك يجب علي النص أن يرتبط بعادات مجتمع وأفكارهم الخاصة التي لا يشتركون فيها مع غيرهم لأنه باشتراكهم يحدث شيوع ولا نستغرب ولا يحدث مفارقة فالاستجابة للمؤثرات الفكاهية تجعل الفشر( الكذب) مقبول وقد تسايره ويقع في نفسك موقعا حسنا وتتفاعل معه ذلك لأنه من ناحية سري عنك, ومن ناحية لم يضرك, وثالثا اعجبك ثمة عدة أمور تخطاها الكاتب شريف أسعد في اعترافاته الجامدة, التنافر: مثلا فيجعلك تضحك علي تركيبة الشيء وضده مجتمعين ومنسجمين وهذه عادة يستخدمها كتاب الاحتراف لكنه في كتابه هذا لم يكن محتاجا إليها كونها فكرة مستهلكة وتطبيقها يحتاج لتصنع؟ ركز علي اللهو المشترك, الشعور بالاكتشاف والدهشة وحب الاستطلاع وعنصر الوقوع في أسر الحالة أو التجاوب معها كما لو كانت واقعا فتصبح مطالبا بتلبية أوامر والدك حتي وهي غير منطقية بتاتا( من باب خده علي قد عقله, طاعة الأم واجبة وهي بتحضر الغدا) فالنص الذي يلتزم بأسس ومقومات الدراما مكانه المتوقع المسرح أو العمل التليفزيوني لكن عدم التطابق هنا يكون مكانه كتاب ساخر يحل فيه الكاتب محل الممثل الكوميدي مع إزالة العوائق وكأنه ارتجال هازل مازح لكنه مع ذلك محسوب بدقة وقد هيئنا ذهنيا ونفسيا لاجواء اللعب وهذه المعاني والمقاصد تلمع في كلمات عند التطبيق ومغزاها متداخل في عمق( الصوت الصادر من المطبخ, يدل علي إن فيه فض اعتصام جوه)( المدرسة العسكرية الثانوية هي اللي تخرج منها الرجل اللي بني مصر)( ارحل في فخر ولسوف تذكر الكتب الاغريقية بطولاتك المجيدة تحت الأقدام هرسا)( أقف وسط قتلي المعارك الاغريقية بشرف, وماحدش يقول عليا جي في حادثة أوتوبيس ليس في سور كوبري) هذه الصور الكاريكاتيرية البعيدة عن العبارات الانشائية أو الجمل المطروقة في مجال الكوميديا هي التي تعطي للعمل ككل معني حداثيا مميزا توحي بدون استخدام لبعض الانتقادات السياسية المبطنة أو المعاناة الاقتصادية للشباب وطموحاتهم المؤودة طابع السخرية المرة وهي قضايا هامة ولاشك ولكن كيفية طرحها من خلال أدب ساخر لا ينزلق إلي الطرق التقليدية يعطيه الفرصة والتأثير الموضوعي بنقاء واصالة. باحث وروائي عضو نادي القصة المصري