الضحكة موقف والنكتة اعتراض وطريق السخرية كله أشواك ودبابيس .. والفيصل بين الكتابة الساخرة والاستظراف هو نفسه الفارق بين النكتة وليدة النكد والنكبات والوكسات وبين زغزغة واحد " غتت " عاوز يضحكك بالعافية على خيبتك القوية اللى هوالسبب فيها .. بهذه الكلمات تعبر الكاتبة الصحفية دينا ريان عن رؤيتها للدور الحقيقى للكتابة الساخرة وذلك فى كتاب طريف يحمل عنوان " أيامنا الحلوة وأيامنا الكوبيا " ، ودينا ريان صاحبة مشوار طويل فى بلاط صاحبة الجلالة من خلال عملها فى صحيفتى الأهرام وأخبار اليوم ، وقد حصلت على جائزة أحمد رجب فى الكتابة الساخرة . وفى هذا الكتاب تحكى تجربتها مع الحياة من خلال سلسلة من المواقف الطريفة .. نبدأ من صفحة الإهداء حيث تقول الكاتبة : إلى أمى الصابرة التى علمتنى كيف نصنع من أشواك الصبر أقلاما تكتب السخرية وإلى إبنى الذى ساعد فى تطفيشى من الحياة الروتينية إلى الرحلات الخزعبلية وإلى الأستاذ غير المذكور الذى جعلنى أحصل على جائز أحمد رجب عن كتاباتى فى الأهرام .. وفى مقدمة الكتاب تشرح المؤلفة كيف تكون لدينا القدرة على الكتابة الساخرة فمن خلال تجربتها الخاصة فى هذا الفن الأدبى تقول " عندما تتمخض المرارة والقسوة لا تلد إلا سخرية .. وعندما تنقلب التراجيديا السوداء إلى كوميديا حمراء تصبح الحياة ألواناً حلوة وألواناً كوبيا وهذا مارأيته .. عندما تركت الكتابة المباشرة وطلبت حق اللجوء إلى الكتابة الساخرة وفتحت عينى على أرض العمالقة أتشعلق فى جلباب عم محمود السعدنى كثيرا وحتى اقتنصت جائزة أحمد رجب للكتابة الساخرة ووجدت معها أيامنا الحلوة فكانت ومازالت خير رفيق تعلمت فيها أن الحياة مثل الموزة مرة تأكلها ومرة تزحلقك وعلمتنى الأيام الكوبيا الصبر على المر حتى تعتاد عليه فيصبح عسلا ! ومن خلية النحل انتقيت لكم قليلا من اللسعات وكثيرا من القرصات من خلال رحلات عشتها ... لخصت دينا ريان مشوارعمرها فى رحلة قطار درجة ثالثة مع الفقراء والبسطاء والمهمشين .. قطار قشاش اختارته بكامل قواها العقلية وبكل ارادتها فى حين كانت ومازالت تذكرة درجة أولى مكيفة فى جيبها .. ولكن حبها لركاب الدرجة الثالثة من الشعب الغلبان والمغلوب على أمره والمقهور أبقاها كما تقول ملتصقة فى جلبابهم على المقعد الخشبى غالبا وعلى الأرض أحيانا وفى القفف عادة تنشد الدفء بجانب بلاص العسل الأسود . وفى هذا الجو الإنسانى المشحون تعترف الكاتبة بأنها تعلمت كتابة القصة الإنسانية من مرارة العيش مع هؤلاء البسطاء وتعلمت كتابة التحقيق الصحفى فى أثناء البحث فى دفاتر الفقر والجهل والمرض والكتابة من دماء عصير الأم ورحيق المرض وفى هذا الإتجاه انتعش القلم وزغردت الأوراق .. ثم نقلت الكاتبة بعد ذلك عبر صفحات الكتاب عددا كبيرا من القصص والحكايات والحواديت الطريفة الساخرة التى عايشتها بنفسها طوال حياتها وفى أثناء عملها .. وكانت أول حدوته عنوانها " السمك مقلى والكوسة وقشر البطيخ " وهى تجربة عاشتها فى حارة السد المتقاطعة من حارة البغالة حيث جلست وتعايشت مع " نصبة السمك " المخصصة لغلابة السيدة زينب وصورت بقلمها الحياة التى يعيشها البسطاء ، وتحت عنوان الدنيا برد يا عم خليل أقدمت الكاتبة على تجربة فريدة من نوعها حيث قضت ليلة كاملة مع أسرة عم خليل المكونة من الزوجة والأولاد ، تعيش هذه الأسرة فى عشة بقرية صغيرة فقيرة قرب كفر شكر . وحكت الكاتبة قصة إنسانية بدأتها بقولها " أكتب إليكم وأنا مثلكم بردانة لكننى قررت على سبيل التغيير قضاء وقتى مع عم خليل البستانى نشم الورد تحت السيول والأمطار والبرد والآن إلى كل البردانين فى كل مكان هيا بنا من تحت غطائكم الصوف وبطاطينكم وبجانب مدفآتكم الفيرفورجية الغالية وتكييفاتكم المتينة بالريموت كونترول .. نطوف ونشوف حياة البرد الحقيقية مع عم خليل . ثم تنقلنا الكاتبة لعالم آخر حيث صحراء الأهرام لتكشف عما يذوقه السائح من عناء بسبب الخراتية .. حيث قامت بتقمص شخصية سائحة خوجاية حتى تكشف عن حيل النصابين من الخراتية وروت من خلال تلك التجربة مواقف طريف عديدة تعرضت لها . وتحت عنوان الآنسة تفاهات تنقل المؤلفة نصيحة أحد الأطباء لها بأن تكون تافهة حتى تسلم من الضغط والسكر والتعب النفسى .. حيث تحكى عن هذا الموقف ببساطة وبأسلوب مدهش قائلة .. "جس الطبيب نبضى فقلت له إن التعب ليس فى كبدى ولا قلبى إنما التعب فى روحى ونفسى وكرامتى وعزتى وثورتى ورفضى للخطأ وللإباحية وخجلى من ضعفى وغيرتى على شرفى وشرف بنات جنسى .. فقال لى تعالى نحلم ببكرة هيا بنا ننسى الماضى الجاد وتعالى نحلم ببكره التافه على مستواك الشخصى أريدك أن تندمجى مع صديقاتك التافهات .. ، ثم الكاتبة عن تجربة حضورها لحفل زفاف بدوى فى الواحات وتنقل من خلالها الكواليس الخفية والعادات والتقاليد المنسية للمصريين المنسيين الذين يعيشون على هامش الحياة فى الصحراء الواسعة كما تصف الكاتبة الأكلات الشعبية الغريبة عند أهل البادية مثل "البغلية " وهو الطبق الفريد الذى يتميز به سكان الواحات والمكون من العدس الأصفر والأرز والزبد والقشطة . وفى آخر حواديت الكتاب تميز الكاتبة بين الكتاب الظرفاء والكتاب المستظرفين من الدخلاء على مهنة الكتابة وذلك من خلال حكاية " برغوت قصده شريف " وبأسلوب ساخر تداعب المؤلفة خيال القارىء بسؤال طريف تقول فيه " هل جربت يوما أن تقوم برحلة مع برغوث قصده شريف ! برغوث لا يقصد أبدا أن يقرصك أو يضايقك أو يمص دمك .. لكنه برغوث نيته سليمة وقصده خير دخل بكل سخافته وثقل دمه داخل ملابسك يزغزغك بقصد الترفيه عنك وتسليتك واضحاكك وجعل الدنيا أمامك مسخرة وكأنك تسمع آخر نكتة من إنسان خفيف الظل مش من أى إنسان أو تقرأ مقالة للعظماء الذين نودع بهم عصر الظرفاء وندخل عصر المستظرفين ثقلاء الظل .. تعلمت من ذلك أن ثقل الظل وثقل الدم لا يمكن أبدا أن يطرح فرحة أو مرحة أو ضحكة أو حتى ابتسامة .