بعد تعيين أحمد رجب صحافيا في مؤسسة «أخبار اليوم»، كانت مهمته سكرتير تحرير الجريدة، يعمل مباشرة مع الأخوين علي ومصطفي أمين، في تلك الفترة اعطاه علي أمين مقالا من 30 صفحة لكاتبة كبيرة، وطلب منه اختصاره، اختصر رجب الموضوع، ولكن أمين أعاده مرة أخري، ليلخصه، وهكذا.. حتي أصبحت رزمة الأوراق مجرد عبارات قليلة، لكنها كاشفة وملخصة للموضوع الأكبر.. قال له أمين يومها: «هذه هي الصحافة».. حيث التكثيف والعمق، والصياغة الفنية المستمدة من الموهبة والرؤية والنفاذ والبلاغة لتتواءم مع سرعة إيقاع العصر والقارئ المهموم، ليس بهدف الإضحاك، إنما الهدف الحقيقي أن يحقن القارئ بنكتة؛ بومضة مشرقة تضحكه ثم تنعش ذهنه ووطنيته. هكذا تمرن رجب علي هذا النوع من الكتابة.. ليبدأ بكتابة بابه الشهير «نصف كلمة» أشهر باب في الصحافة المصرية.. كتابة تضحك الناس، وتوجع قلوب المسؤولين، لم تكن «نكتاً» أو لقطات كوميدية.. لكن كان «ينقل بأمانة ما تفعله الحكومة»، بحسب قوله، معتبرا عمله أشبه بمن ينتقي «الدودة والآفات من المجتمع».. من هنا اعتبره أنيس منصور «أكبر ساخر في الصحافة العربية، يستخرج النكتة من أنياب الأسد». هكذا، وجد أحمد رجب اسلوبه الخاص، كتابة قصيرة مكثفة حادة، مهمتها «تجريس» السلطة وفضحها.. وظل كذلك دائما، لأنه يدرك تماما ان الكتابة الباقية هي الكتابة الناقدة لا الكتابة المهادنة. ومن هنا أيضا لا يمكن اختصار رجب كونه كتب في أيامه الأخيرة بعض المقالات القصيرة التي تؤيد السلطة، أو تنتقد ثورة الشعب المصري. رجب كان مؤمنا بما يفعل، لم يكن من طائفة الكتّاب «القرود» القادرين علي القفز والتنقل بين أشجار السلطة، ومدحها وتملقها بحثا عن مكسب خاص به. في السنوات الأخيرة من حكم مبارك، تعرض رجب للعديد من المضايقات التي ترك علي اثرها كتابة «نصف كلمة» في العدد الأسبوعي، بعد شكاوي الكثير من الوزراء لرئيس التحرير وقتها من أسلوبه اللاذع، وعندما تولي الإخوان حكم مصر، تعرض للعديد من المضايقات أيضا، وعرضت عليه إحدي الصحف الخاصة أن ينتقل إليها بالمبلغ الذي يريده.. لكنه رفض معللا ذلك بأنه عاش بين جدران «أخبار اليوم»، مؤسسته، ويريد أن تخرج جنازته منها أيضا! يري رجب نفسه امتدادا لتراث المصري الفصيح، الذي يحمل مشكلات الناس إلي «الحكومة» يوميا.. ففي فترات تدريبه الأولي كان مصطفي وعلي أمين يطلبان من المحررين التركيز علي ما يقوله الناس، انطباعاتهم، ومشكلاتهم. وهكذا عرك أحمد رجب الحياة، فسخريته قائمة علي قراءة للواقع الاجتماعي ونقده ما فيه بتأمل وحزن، ويستمد مقوماته من روح ساخرة وموهبة نادرة وثقافة عريضة وإسناد إلي تراث طويل للشعب المصري، وهو جزء أصيل من الوعي المصري والعربي، وكتاباته الواخزة المحمّلة بالحكمة والرؤية تبدو كأنها مواد دستور صاغها الضمير الجمعي للشعب. هذا الملف تحية للكاتب الراحل ..الساخر الفيلسوف!