تطلق مكتبة الإسكندرية لتدشين التقرير الثالث لمرصد الإصلاح العربي هذا الأسبوع, وهو من تحرير الدكتور مصطفي علوي أستاذ العلوم السياسية بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة, واشترك في إعداده نخبة من المثقفين والباحثين المرموقين مثل الدكتور ماجد عثمان, والدكتور قدري حفني. أهم ما يميز تقرير هذا العام أنه لم يقتصر فقط علي دراسة رأي النخبة العربية وإدراكها للإصلاح السياسي, والاقتصادي, والاجتماعي, والثقافي, وإنما أضاف إلي ما سبق موضوعا نوعيا جديدا يتمثل في إدراك النخبة العربية للإصلاح في مجال التعليم, وأعتقد أن القائمين علي إعداد التقرير قد وفقوا بشكل كبير في اختيار موضوع هذا العام, لما يحظي به التعليم من أهمية بالغة في تقرير مستقبل كل مجتمع عربي علي حدة, والمنطقة العربية بأكملها, فالتعليم ليس فقط هو بوابة التقدم والمدخل الضروري للإنجاز والتطوير, بل هو أيضا بوابة البحث العلمي, وهو القادر علي توليد نخبة قادرة علي حمل مسئولية الإصلاح. اللافت للانتباه في التقرير أن هناك عددا كبيرا من المشاركين من شتي أقطار الوطن العربي أسهموا في التقرير, وبدون الخوض في تفاصيل وأرقام فقد اتسمت العينة بقدر كبير من التنوع حيث ضمت النخبة العربية بمختلف طوائفها كأعضاء المجالس النيابية, وأساتذة الجامعات, والكتاب والصحفيين, وأعضاء الجمعيات الأهلية, وحملة الدراسات العليا في الجامعات العربية, لكن السؤال الذي يطرح نفسه هو: ما سبب تراجع حجم العينة عن العام الماضي؟ هل هو محدودية فترة البحث أم تراجع اهتمام النخبة العربية بموضوع الإصلاح واعتقادهم بعدم جدواه أم حرص الفريق البحثي علي انتقاء عينة علي درجة عالية من الإدراك والوعي؟ حرص فريق العمل هذا العام علي تقسيم المنطقة العربية إلي أربع مناطق, تتميز كل منها بدرجة أعلي من التجانس وهي: دول المشرق( الأردن لبنان فلسطين سوريا العراق), ودول منطقة الجزيرة العربية( دول الخليج العربي اليمن), ودول المغرب( المغرب تونس ليبيا الجزائر موريتانيا), ودول المنطقة الوسطي( مصر السودان الصومال جزر القمر جيبوتي), وأشار التقرير إلي أن إجابات منطقة دول المغرب العربي هي الأكثر إيجابية مقارنة بباقي المناطق, وفي المقابل اتسمت إجابات دول منطقة الجزيرة العربية بأنها الأكثر سلبية, ويمكن ترتيب المناطق من حيث الأفضلية إلي: منطقة المغرب, ثم المنطقة الوسطي, ثم منطقة الشرق, وأخيرا منطقة الجزيرة العربية, وهذا التمايز ما هو إلا دليل قاطع علي وعي المواطن العربي وحساسيته تجاه التغيرات التي تشهدها بلاده. توصل التقرير هذا العام إلي مجموعة من النتائج المهمة التي يجب أن ننظر إليها بقدر كبير من العناية والاهتمام, فعلي مستوي الإصلاح السياسي أظهرت النتائج عدم رضا النخبة العربية عن مستوي التعليم مع التفاؤل بشأن إصلاحه, وفي الوقت نفسه حذرها الشديد من التغيير الشامل للمناهج التعليمية, كذلك كشفت النتائج عن وجود جوانب مهمة لقصور نظام التعليم العربي تهدد مستقبل المنطقة العربية, وعن تنامي الشعور الوطني لدي المواطن العربي, والدليل علي ذلك هو رفض الأغلبية الساحقة الاستعانة بمستشارين أجانب من أجل إصلاح التعليم. وعلي مستوي الإصلاح الثقافي فقد قدمت النخبة العربية بعض المقترحات بشأن إصلاح التعليم في المنطقة العربية تتمثل في: ضرورة إحداث تغييرات جذرية في النظام التعليمي تتعلق بفلسفة النظام التعليمي, وأهدافه, والسياسات التعليمية, وبنية المؤسسة التعليمية ربط الإصلاح الجذري للنظام التعليمي بالإصلاح السياسي الشامل, علي اعتبار أن التحول الديمقراطي الحقيقي هو القادر علي استيعاب دور المؤسسة التعليمية القائم علي حرية البحث العلمي ضرورة الانفتاح علي التجارب الإنسانية الأخري في تطوير التعليم, والأخذ بأفضل خبراتها ودروسها دون الاقتصار فقط علي أمور تتعلق بالخصوصية والهوية والحفاظ علي الذات. وبالنسبة للإصلاح الاجتماعي فقد أشارت النتائج إلي التفاوت الملحوظ في جودة التعليم الذي يتلقاه الفقراء ومحدودو الدخل مقارنة بالفئات الأعلي داخل المجتمع, والأمر نفسه ينطبق علي التفاوت بين المناطق الحضرية والمناطق النائية, والتفاوت بين التعليم الحكومي والتعليم الخاص, حيث أدي إلي ترك تأثيرات سلبية واضحة نتج عنها تعميق الفجوة بين المتعلمين, أما بالنسبة للتفاوت علي المستوي النوعي فقد استطاعت العديد من البلدان العربية تجاوزه لدرجة أن الفروق أصبحت لمصلحة الإناث في التعليم الجامعي. وبالإضافة إلي ذلك فقد أشارت النخبة العربية إلي عدم كفاية الإجراءات اللازمة لتفعيل مساهمة التعليم في الحراك الاجتماعي, وتراجع التعليم عن دوره الأساسي كأحد مؤشرات التنمية البشرية. أما بالنسبة لإدراك النخبة للإصلاح الاقتصادي فقد أشارت النتائج إلي أن هناك اتفاقا عاما بين مختلف مجموعات الدول العربية علي أن برامج الإصلاح الاقتصادي في بلادهم تحتاج إلي مزيد من التفعيل, وعلي الرغم من نجاح العديد من الدول العربية في مواجهة الأزمة المالية العالمية وتوابعها, فإن هناك تحديا يواجه صناع السياسة في البلاد العربية, وهو مراجعة برامج الإصلاح الاقتصادي حتي تتلاءم مع المعطيات التي تفرضها مرحلة ما بعد الأزمة, كذلك أشار التقرير إلي استمرار المشكلات التي سبق وأن رصدها التقريران السابقان في الوقت الحاضر, وتأتي علي رأسها مشكلة البطالة, خاصة بين الشباب, والحاجة الملحة إلي إصلاح منظومة التعليم بشكل يتواءم مع متطلبات السوق واحتياجات النمو في المستقبل.