ما أصعب أن تكتب عن نفسك.. لكن الأصعب من ذلك أن تكتب عمن تحب.. ولأن الحب كما يقول الشعراء لا يفسر ولأن مكانة حبها في القلب أكبر وأعمق وأسمي من كل الكلمات.. ولأنها باختصار هي الأهرام المسائي فالحديث عنها هو أصعب مخاطرة قررت أن أخوضها بمحض إرادتي.. أمسك قلمي وورائي24 عاما كنت أحد الشهود عليها مع نخبة وكوكبة من الزملاء الأفاضل أحسبهم دون تحيز أو مبالغة- الكواكب الزاهرة في سماء الصحافة المصرية.. ولو كان المجال يتسع لذكرتهم اسما اسما.. لكن عزائي أنهم كالشمس يراها الجميع ويشعر بروعتها الجميع. أمس مر24 عاما بالتمام والكمال علي انطلاق صحيفة الأهرام المسائي.. الأمر بالقطع ليس مجرد ذكري عابرة بالنسبة لي أو لجيل من الرعيل الأول الذي ساهم في وضع لبنة هذا الصرح الكبير بل مسيرة حياة كاملة بكل ما تحوي الكلمة من معني.. هي حشد هائل من المواقف والذكريات.. من لحظات الفرح ولحظات القلق.. من الانتصار والانكسار.. هي باختصار ذكري أيامنا الحلوة. يخطو الأهرام المسائي أولي خطوات عامه الخامس والعشرين وما زالت الذاكرة تحتفظ بتفاصيل مخاض هذه الصحيفة التي كتب لها أن تولد عملاقة في ظروف استثنائية لتكون علي قدر الحدث الذي انطلقت فيه.. كان هدير طائرات قوات التحالف بقيادة الولاياتالمتحدةالأمريكية يصب نيرانه علي العراق في فجر يوم17 يناير1991 فيما يسمي بعملية عاصفة الصحراء أو حرب تحرير الكويت.. فيما كان هدير ماكينات الطباعة بالأهرام يعلن في نفس اللحظة عن مولد عاصفة صحفية جديدة هي الأهرام المسائي.. ومنذ لحظة الميلاد الأولي استطاعت الصحيفة أن تفرض نفسها كرقم صحيح في معادلة الصحف اليومية.. وخطفت الأضواء من الجميع بأسلوب تناولها الرشيق وأبوابها المتنوعة وكتيبة صحفييها الموهوبين الباحثين عن موطئ قدم علي طريق المهنية والاحتراف. لا للوساطة.. كان هذا هو الشعار الذي رفعه الكاتب الكبير الأستاذ مرسي عطا الله ربان السفينة منذ الوهلة الأولي لتوليه مسئولية رئاسة تحرير هذا الوليد العملاق.. فلم يرضخ لأي ضغوط أو حسابات.. كنا نواصل الليل بالنهار أصبحت علاقتنا بأسرنا مثل علاقة الغريب بأحد فنادق وسط البلد.. كانت العجلة تدور بأقصي طاقة دون مجال لتهاون أو استرخاء.. مع إشراقة كل صباح كانت الوجوه تتبدل.. خلية من المتدربين تأتي وأخري تذهب.. مسيرة من الاحتراق لا تتوقف علي مدار الساعة.. كان البقاء فيها للأفضل فقط.. في زمن قياسي أصبحت الأهرام المسائي حديث الساعة.. الكل يفتخر بالانتماء إليها.. لم يكن أحد يتصور أن هذه المجموعة من الشباب تستطيع أن تفعلها وأن تقدم صحافة بهذا الرقي والمهنية والصدق وها هي قد فعلتها ومازالت. أمس جاء العيد الرابع والعشرين لميلاد الصحيفة.. ومازالت نفس الوجوه التي تغيرت ملامحها بفعل الزمن- تحمل نفس العبق والإصرار وتنقل خبرتها لجيل رائع من الشباب يستكمل الآن مسيرة التنوير والكفاح.. علي مدي24 سنة مضت كان وما زال الحب هو الرباط المقدس الذي يجمع أسرة الأهرام المسائي.. نعم سقط منا من سقط تحت عجلة العمل التي لا ترحم ورحل بعيدا بحثا عن لقمة العيش في بلد آخر.. وغيب الموت زملاء أعزاء مازالت ذكراهم العطرة وأرواحهم الطاهرة هي الوقود الذي يدفعنا للأمام وإلي مواصلة المسيرة إلي أن نلحق بهم علي خير.. وها هو الأهرام المسائي يدخل محطته الخامسة والعشرين وقد أصبح الشباب الذين شهدوا لحظة الانطلاق الأولي كهولا وها هم يتبوءون مواقع القيادة ويستكملون المسيرة.. ولكن أروع ما في الأمر أن الربان الآن هو أحد رفاق مسيرة الكفاح الأستاذ علاء ثابت. كل عيد والأهرام المسائي أروع وأبدع.. يظللنا بحبه ودفئه ورعايته.. كل عيد وكل أسرة الأهرام المسائي وكل زملائي وأساتذتي بخير.. عاشت الأهرام الأم وعاش كل من ينتمي لهذا الصرح العملاق.. ويبقي الحب موصولا ودائما.