أخيرا وبعد انتظار لسنوات طوال تم في نهاية أغسطس الماضي افتتاح معبر "قسطل" (جنوب مصر)، و"اشكيت" (شمال السودان)، بشكل نهائي، بعد أن بدأت مسيرة هذا المعبر منذ عام 2002، وانتهت تجهيزاته منذ فترة، ولكن افتتاحه تعطل مرات عدة، لتسوية بعض الخلافات حول نصوص اتفاقية المعبر، وأحيانا أخري لأمور فنية، وفي مرات أخري لأسباب سياسية وأمنية. يبلغ طول هذا الطريق 55 كيلو مترا، منها 33 كيلو مترا في مصر، و22 كم في السودان، ويقع في شرق النيل، ويهدف بالأساس لخدمة مصالح الشعبين المصري والسوداني، حيث سيوفر الكثير من الوقت ويخفض تكلفة الشحن بين البلدين إلي 70%، وسيكون بمقدور مواطني البلدين التحرك بين الخرطوم والإسكندرية دون عوائق. كما أنه سيؤدي إلي تسهيل دخول الصادرات المصرية إلي السوق الإفريقية، ودخول الصادرات السودانية إلي الأسواق الأوروبية. كان من بين أسباب تأخر الافتتاح تمسك الجانب السوداني بأن تنص الاتفاقية علي جميع المعابر البرية بين مصر والسودان، وهي قسطل ووادي حلفا وحدربة، وأنها تقع علي خط عرض 22، ولكن الجانب المصري طلب إضافة كلمة الحدود الدولية، الأمر الذي لم تقبله الخرطوم. وفي النهاية تم الاكتفاء ببند خط عرض (22) كحدود بين البلدين لميناءي قسطل وأشكيت فقط، دون التطرق لأي موانئ أخري، تحاشيا للخلاف المعروف بين البلدين علي تبعية مثلث حلايب، وقد وافقت مصر علي هذا المطلب، علي أن تشرف قوات حرس الحدود علي حركة التجارة غير الرسمية بين البلدين، في معبر (حدربة) الموجود بالمنطقة الحدودية (حلايب شلاتين) إعلاء للمصالح المشتركة بين الشعبين. وفي النهاية تم التوصل لاتفاق نهائي يمهد الطريق لمستقبل أفضل لحركة التجارة والأفراد بين شعبي وادي النيل، حيث شملت الترتيبات، العمل افتتاح معبر "أقين" أيضا غرب النيل قبل نهاية العام الحالي. ومن ناحية أخري كانت مصر قد أثارت أيضا أهمية الالتزام بخلو منطقة الخط 22 من أي مبان، وأن أي إنشاءات من الجانبين يجب أن تبتعد عن هذا الخط بمسافة 25 مترا، وقد استجابت الخرطوم بدورها لذلك، الأمر الذي استغرق بعض الوقت لكي يتم الافتتاح أخيرا في عقب تحسن العلاقات بين مصر والسودان، إثر زيارة الرئيس عبدالفتاح السيسي للخرطوم في طريق عودته من القمة الإفريقية في يونيو الماضي، ردا علي زيارات سودانية عدة رفيعة المستوي جاءت إلي مصر لإعلان رغبة الخرطوم في تجاوز صفحة الفتور المشوب بالتوتر بين البلدين عقب ثورة 30 يونيو التي أسقطت الإخوان المسلمين. وقد أشار السفير المصري بالخرطوم أسامة شلتوت في حفل الافتتاح الذي شاركت فيه فرق غنائية مصرية وسودانية، إن المعبر الحدودي يمثل شريان حياة للسودان ومصر، باعتباره الأول من نوعه في تاريخ العلاقات بين البلدين، وتوقع أن يعمل علي مضاعفة حجم التبادل التجاري الذي يبلغ حاليا 850 مليون دولار فقط، لافتا إلي أنه يعكس خصوصية العلاقة بين البلدين ويساعد علي الربط والتواصل وحرية الحركة، فضلا عن الفوائد الثقافية والاجتماعية الأخرى. وهكذا فإنه من الواضح للعيان أن قضية المعابر الحدودية البرية، تمثل مصلحة مشتركة وخطوة في الطريق الصحيح، يمكنها علي المدي البعيد أن تصحح اختلالات العلاقات المصرية السودانية، وتخرج بها من الدائرة المغلقة التي اكتنفتها منذ استقلال السودان في يناير 1956، حيث تمر العلاقات بفترة تحسن، إلا أنه سرعان ما تعقبها فترة توتر، وهكذا دواليك. ان خلق مصالح مشتركة سيؤدي بلا شك إلي الابتعاد بعلاقات الشعبين عن التغيرات السياسية هنا أو هناك، وسوف يزيد أيضا من صوت العقلانية والموضوعية، ويصحح الكثير من الصور المغلوطة، علي الأخص لدي الجانب السوداني الذي يتسم في تعامله مع الجانب المصري بحساسيات متعددة، تعبر في معظمها عن صور نمطية غير ذات صلة بالواقع، تغذيها خلافات السياسة أحيانا، والصراعات التي لا طائل من وراءها من ناحية أخري.