يعلمنا التاريخ انه كلما فكر اعداء العرب في تمزيق دولة عربية, إلا و زرع فيها بذور الانفصال, عبر تحويل التعدد إلي صراعات وحروب طائفية, تكون سببا في تمزيق الدولة الواحدة القوية إلي دويلات, لايمكنها أن تحيا وتستمر إلا عبر الدعم الغربي, الذي له مقابل باهظ الثمن. ومن ثم فليس غريبا ان يعلن الرئيس عبد الفتاح السيسي أن اجراء استفتاء علي استقلال المنطقة الكردية في العراق ماهو إلا بداية كارثة لتقسيم العراق الذي يواجه هجوما واسع النطاق ينفذه متشددون إسلاميون والسؤال لماذا يترك الأمريكيون داعش وكأن الامر يسير علي هواها! تطرح النخبة السياسية الامريكية علي اختلاف توجهاتها ثلاثة خيارات ازاء داعش هي: البدء بضربات جوية من دون اشتراك القوات الأرضية, والعمل مع إيران علي محاربة تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام( داعش) في كل من العراقوسوريا وتقسيم العراق إلي دويلات ثلاث: شيعية وسنية عربية وكردية. خيار العمل مع إيران عبر عقد صفقة معها ويبررون ذلك إيران هي اللاعب الأساسي ليس في العراق فحسب بل في سوريا ثم يحاول هؤلاء تسويق رأيهم عبر تناول الانتقادات الموجهة الي سياسة اوباما الخارجية التي تتركز في أمرين أولهما التردد والاحتشام وثانيهما شروع أمريكا في الانسحاب من مكانتها في العالم وأن عقيدة أوباما في السياسة الخارجية مبنية علي أفضلية تجنب الأخطاء بدل إظهار الحزم وانه اتساقا مع تلك العقيدة فان التعاون مع ايران يحل معضلة اوباما بعد أن ثبت فشل سياسة الانخراط وبعد أن أصبحت رسالة السياسة الخارجية الأمريكية الأقوي هي فك الارتباط وأن من يستمع إلي أوباما يتحدث عن العراق لن تتكون لديه نفس رؤية الصقور, الذين يعتقدون أن الشرق الاوسط علي شفا حرب اهلية واسعة النطاق بين السنة والشيعة وأن داعش توشك أن تحقق حلمها في تأسيس دولتها الغنية بالنفط التي ستصبح ملاذا للإرهابيين بل يلحظ أن أوباما يري علي النقيض من ذلك أن مايحدث في العراق مشكلة اقليمية ستستمر عددا من السنين وفي نهاية المطاف ستهدد المصالح الوطنية للولايات المتحدة ويري أوباما أن تهديد المصالح الوطنية الامريكية هو الحد الذي وضعه لنفسه لأي تدخل عسكري امريكي في الخارج. ولما كانت تفاصيل الصفقة المطلوبة مع ايران غير واضحة وغير جلية وتثير من التساؤلات اكثر مما تقدم الاجابات فيتم الاستعانة ببناء تشبيه تاريخي بالزيارة التاريخية للرئيس ريتشارد نيكسون إلي الصين عام1972 وهو بذلك لإضعاف عدو آخر للأمريكيين هو الاتحاد السوفييتي السابق وان نيكسون استفاد في تلك الخطوة من الحساسية البالغة والصدوع العميقة في علاقات صين ماو تسي تونج الشيوعية مع الرفاق الشيوعيين الروس الحاكمين في الكرملين ولذا كان الانفتاح علي الصين لمواجهة عدو آخر مشترك, بمثابة زواج مصلحة مبرر تماما بمنطق الواقعية السياسية في ذلك الوقت. ومن ثم تم إضعاف الاتحاد السوفييتي وحرمانه من أقوي وأهم حليف شيوعي ممكن, وفي الوقت نفسه استفادت الصين أيضا وبدأت قصة إقلاعها الاقتصادي الكبير, الذي ستبدأ ملامحه تتضح مع خلف ماوتسي تونج فبمنطق المصالح المشتركة تقاسم أمريكا الآن إيران الشيعية الموقف مع البعبع الذي طالما أرقها منذ ثلاثين سنة, وهو تحدي الجماعات الجهادية السنية المتطرفة, خاصة بعد تفاقم خطر تنظيم داعش الذي بات الآن يحتل مناطق واسعة من العراقسوريا, ويبدو اليوم أن دواعي خوض الحرب ضد الجماعات الجهادية المتطرفة باتت تدفع الجمهورية الاسلامية والشيطان الأكبر للتقارب من بعضهما بعضا, لكون إيران هي حامية حكومية بغداد, والمزارات الدينية الموجودة في العراق, وهما مستهدفا من قبل داعش. وبهذه الكيفية تلتقي الأخطار المشتركة مع الأهداف المشتركة, لكلا الطرفين ومن ثم يستنتج هؤلاء انه إذا كانت هناك ثمة فرصة طيبة للقيام بمثل المغامرة التي قام بها نيكسون,فإنها تلك التي تقوم الآن, وذلك لأن وضع حد للحرب الأهلية الدائرة في العراق هو عمل لايمكن للولايات المتحدة إنجازه بمفردها,كما لايمكنها إنها الحرب الدموية التي تشهدها سوريا. ولكن هواجس البلدين وانعدام الثقة والاتهامات الموجهة لواشنطن بأنها سلمت العراقلايران تجعل واشنطن تتردد كثيرا في خيار الصفقة مع ايران مع انها يتعاونان هناك عمليا الان, لكن الخيار المفضل لواشنطن هو خيار التقسيم. خبير في الشئون السياسية والاستراتيجية