خلال اجتماعها عشية اطلاق القمة العربية الاستثنائية في مدينة سرت الليبية, قررت اللجنة العربية المعنية بمتابعة المفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين ترك الباب مواربا, فلا هي اغلقته.. ولاهي فتحته علي البحري. القرار العربي جاء مؤيدا للموقف الفلسطيني لامفاوضات في ظل الاستيطان, لكن في الوقت نفسه اقر وزراء الخارجية العرب منح الراعي الأمريكي لعملية السلام بعض الوقت, لممارسة اقصي ضغوط ممكنة علي الإسرائيليين لانتزاع قرار بتجميد الاستيطان, حتي تعود المفاوضات المباشرة بين الفلسطينيين والإسرائيليين التي تكسرت علي صخرة الاستيطان. ويبدو الموقف العربي فيه الكثير من العقلانية, فليس مطروحا او مقبولا صدور اعلان عربي بوفاة العملية السلمية, حتي ولو كانت هذه العملية في حالة موت سريري, لان البديل هو العودة إلي خيار الحرب, لكن لاالظروف الدولية تسمح بأعمال عسكرية نظامية في الشرق الأوسط, ولا العرب جاهزون لمثل هذه الحروب طويلة الامد... أو حتي قصيرة وخاطفة. في إسرائيل الحكومة هي الأكثر يمينية وتطرفا علي الاطلاق, تضم خليطا يبدو متجانسا من احزاب تتجمع في ظل اليمين السياسي, وان كان بعضها من اليمين الديني الاكثر تشددا وتطرفا, مع حزب العمل الذي كان يميل إلي اليسار, ويعتبر كثيرون مشاركته هي الحكومة بمثابة وضع ورقة توت يسارية علي عورة اليمين الإسرائيلي, ويعطي هذه الحكومة بعض القبول العالمي. ولايبدو ان حكومة بمثل هذه التوجهات والقناعات المتشددة جاهزة لاستحقاقات السلام, ولن تغامر بدعم قرار بتجميد الاستيطان لانه يفقدها قواعدها بين المستوطنين والعناصر المتشددة التي رجحت كفة اليمين الإسرائيلي في الانتخابات البرلمانية الأخيرة. وبالتالي لايبدو الرهان علي عودة الحكومة الإسرائيلية عن استمرار الاستيطان ممكنا أو متصورا, لكن في الوقت نفسه يبدو السؤال الاكثر شرعية هذه الأيام, ماهي الخيارات العربية بعد ترك الباب مواربا؟. هل هناك إمكانية لفتحه مجددا؟.. أم ان المهلة العربية ستقودنا إلي إغلاق عملية التسوية بشكل نهائي؟ خيارات العرب في هذه اللحظة تبدو صعبة إلي درجة لايمكن تصورها. فنحن لانستطيع العودة إلي الحرب, ولانملك قوي مقاومة حقيقية, وتبدو اوراقا لضغط الكفيلة بإعادة إسرائيل إلي التسوية محدودة للغاية. والملاحظة الاساسية ان مايطلق عليه معسكر الممانعة العربي الذي يضم سوريا وحزب الله اللبناني, وحركة حماس وبعض الفصائل الفلسطينية الصغيرة هي خارج معادلة المقاومة فعليا.. فمنذ حرب يصف2006 حافظ حزب الله علي هدوء الجبهة اللبنانية مع إسرائيل, وحتي حينما اندلعت الحرب في غزة, سارع مستشار الأمن القومي الإيراني بزيارة دمشق وبيروت واعطي تعليمات وتأكيدات باستمرار هدوء الجبهة اللبنانية. اما حركة حماس فقد خرجت هي الأخري من المعادلة بعد عملية الرصاص المصبوب, ويمكن القول انها خرجت من حرب غزة دون أنياب أو اظافر, لدرجة ان اجمالي عدد الصواريخ التي أطلقت علي إسرائيل من غزة خلال الشهور العشرة الأولي من العام الحالي, تقل عما كان يتم إطلاقه خلال أسبوع واحد قبل حرب غزة. وبات لدي حماس قناعة مفادها ان الحفاظ علي سيطرتها علي غزة, أهم كثيرا من صاروخ او قذيفة يسقط هنا أو هناك.. وغني عن القول أيضا ان زعيمة هذه الجبهة سوريا تحافظ منذ37 عاما علي عدم اطلاق أي رصاصة تجاه الجولان المحتل, ووفرت نيرانها في معظم الاوقات لحسم خلاقاتها داخل لبنان, وإحكام السيطرة عليه. في ظل هذه الاوضاع علي الأرض وهدوء ثلاث جبهات من خمس, وفي ظل ان المشاكل الداخلية في دول المواجهة الثلاث محتدمة, يبدو ان إيجاد موقف عربي متناسق تجاه إسرائيل عمليا في غاية الصعوبة إن لم يكن الاصعب علي الاطلاق, وبعيدا عن حناجر المناضلين, وكتائب الجهاديين علي الإنترنت يبدو أن معركة السلام التي يخوضها المعسكر العربي المعتدل تستند إلي تهديدات صريحة يجب ان يأخذها العالم باهتمام كبير, إذ ان اغلاق باب السلام يعني ان دوامات من العنف والإرهاب ستضرب العالم كله. ومن هنا لايبدو السلام مصلحة عربية أو إسرائيلية فقط, لكنه مصلحة عالمية بامتياز, وحتي يستعيد العالم سلامته وامنه فلابد من الحفاظ علي باب السلام مفتوحا, حتي لو كان المقابل ضغوطا أمريكية علي إسرائيل تعيد ترتيب خارطة التيارات السياسية الحاكمة في تل أبيب, تنحي المتطرفين عن المشهد السياسي, وتفتح الباب لقوي اقل تشددا. هذا الشهر ستنشغل أمريكا بانتخابات التجديد النصفي لمجلس الكونجرس, لكن مع نهاية نوفمبر عليها ان تخرج من سباتها الانتخابي لتبقي باب السلام مفتوحا قبل ان تتصاعد دوامات العنف وتحرقها, وتحرق العالم معها.