يروي التاريخ ان الفتاة الصغيرة أمينة ابنة السادسة عشرة اتخذت قرارا بأن توسع من مملكة والدتها الملكة باكواتورونوكو ولكونها الابنة الكبري لابنة ملكة الهوسا التي اقامت مملكة زازاو أو زاريا, جردت أمينة قوة من المحاربين من ابناء قبيلتها وخرجت لتغزو المدن المحيطة في منتصف القرن الرابع عشر ليستقر لها خلال سنوات قليلة مملكة حصينة صارت تشغل الطرف الاوسط والجنوبي لصحراء افريقيا الكبري فامتدت مملكتها جنوبا حتي دلتا نهر النيجر العظيم. واستلهاما لجانب من تلك الاسطورة تشهد قاعات قصر الفنون بدار الاوبرا معرضا بعنوان حوار إفريقا وتنقسم لوحة الفنان ايرهابور ايموكابيه الي مستويين متلاحمين. في أولهما تقف أمينة بملامح هادئة وابتسامة فاتنة في مقدمة اللوحة بثياب افريقية زاهية, بينما تحتل الشراسة ذات الملامح الفاتنة في النصف الثاني للوحة التي حولت هذه الفاتنة الافريقية الي محاربة شرسة تقود جيشا ثائرا من المقاتلين. ليس ابلغ من هذه اللوحة عنوانا للمعرض, فاللوحة تلخص حقبة مهمة من تاريخ نيجيريا, قبل سقوطها تحت الاحتلال البرتغالي فالبريطاني لثلاثة قرون, لم تنته الا في النصف الثاني من القرن الماضي, مع تنامي الحس الوطني في نيجيريا, التي بدأت كفاحها ضد الاستعمار البريطاني في ذات التوقيت الذي بدأت فيه مصر كفاحها ضد نفس المستعمر. الا انها لم تتحرر بالكامل الا بعد امتداد موجة التحرر الافريقية التي انطلقت بمساعدة مصر عقب ثورة الثالث والعشرين من يوليو عام1952. هذا التاريخ المشترك دفع وزارة الثقافة النيجيرية لاختيار مصر لتكون المحطة الاولي في مشروعها الثقافي قطار الفن والذي تتجول فيه أهم مقتنيات الجاليري الوطني النيجيري للفن الحديث, بين مدن العالم بدءا بالقاهرة ثم الاسكندرية وتليهما مدن استراليا والصين والهند التي تختتم بها الرحلة. اللوحات المتناثرة في خمس من القاعات السبع التي يحتلها المعرض في قصر الفنون التابع لقطاع الفنون التشكيلية, تعكس ذلك الثراء الهائل الذي يتمتع به الفن النيجيري المعاصر فالي جانب الخامات التقليدية الرسم بالزيت علي التوال أو الكارتون تنحفر المنمنمات الإفريقية علي أسطح من العاج ينقل فيها الفنان أوجو او لانياي طقوس خصب افريقية ثرية بالتفاصيل. اما عن اللوحات فلم تمتد تقليدية خاماتها لبنائها وعناصرها والوانها. فبين تجريد يلخص الاجساد الافريقية الانثوية الممشوقة, وواقعية تعكس ادق تفاصيل ذات الاجساد, ومظاهر من الحياة المعاصرة في نيجيريا التي تحمل( مثل مصر تماما) تناقضات صارخة بين الاغنياء والفقراء, تنوعت لوحات المعرض. التي تعكس تنوع الحركة التشكيلية النيجيرية بدءا من نهايات الستينات وحتي الوقت الراهن. إلا ان كل تلك اللوحات لا يمكن ان تخطف بصرك بالوانها الصارخة بعيدا عن المنحوتات الخشبية التي كانت اهم ما حواه المعرض. للوهلة الاولي قد تظنك متمكنا من تمييز اعمال الفنانين الفطريين والفنانين الاكاديميين الذين حوي المعرض اعمالها النحتية, الا ان الربكة ستتملكك حتما بعد التدقيق. فالمنحوتات كلها تشهد بنظرة معمارية هائلة لدي ناحتيها. كل الاعمال تقريبا تتشكل من طبقات ترتص فوق بعضها البعض لم تخرج كلها عن خامة الخشب.. ولم تخرج ملامحها عن ثقافة ثرية لم يسقطها فنانو نيجيريا رغم الحداثة الواضحة في اساليب التصوير والنحت. ليشهد المعرض بأن فناني نيجيريا قد وفقوا في ايجاد تلك المعادلة السحرية التي تجعلهم يبدعون وفقا لسبل الابداع الحديثة دون الانفصال عن ثقافتهم وعناصر بيئتهم. وهو ما لم توفق في تقديمه اختيارات الجانب المصري, لتأتي الاعمال المصرية المشاركة في معرض الحوار بعيدة كل البعد عن الواقع الحضاري المصري. بشكل قد يعكس ما يكتب فيه الكثير من نقادنا التشكيليين حول ابتعاد الابداع الفني المصري المعاصر عن العناصر المميزة للثقافة الوطنية واغراقه في التغريب. يقول الفنان محمد طلعت مدير قصر الفنون للاهرام المسائي: أن اختيار الفنانين المصريين المشاركين في المعرض والورشة المصاحبة التي تقام بالمشاركة بين خمس فنانين من مصر ومثلهم من نيجيريا, خضع لاكتمال تجربة الفنانين المشاركين, وثقلهم في الحقل التشكيلي المصري. كما روعي فيه ان يكون الفنانون المختارون ممثلين للأجيال الموجودة علي الساحة حاليا. وذلك بهدف خلق حوار بين الفنانين المصريين ونظرائهم من النيجيريين بشكل يحقق التواصل الثقافي الذي يستهدفه المعرض. ويوضح الفنان محمد طلعت أن استجابة الفنان محسن شعلان رئيس قطاع الفنون التشكيلية لهذه المبادرة الثقافية النيجيرية, يأتي في إطار سعي القطاع لخلق آفاق جديدة للتعريف بالفن المصري في العالم, من خلال اقامة بروتوكول تعاون, يتيح عرض اعمال الفنانين المصريين في نيجيريا التي تعد من اكثر دول وسط افريقيا ثراء ثقافيا. ولم يبين الفنان محمد طلعت اذا ما كانت استجابة القطاع لهذه المبادرة ايذانا بفتح خطوط جديدة للتواصل. الا ان الناقد والفنان التشكيلي محمد كمال تقدم باقتراح لاقامة بيناليمعرض يقام كل عامين تحت عنوان بينالي أمم افريقيا تجتمع فيه دول القارة في مصر في مهرجان ابداعي يحقق التواصل الذي انقطع بين مصر وسواها من دول افريقيا. جاء ذلك خلال الندوة التي عقدها قطاع الفنون التشكيلية مساء الاربعاء الماضي بمقر قصر الفنون وشارك فيها قومسيير المعرض الناقد النيجيري د. كريدزي ايكوميزي ومن الجانب المصري الناقد محمد كمال والفنان د. رضا عبد السلام وحضرها الفنانون النيجيريون المشاركون الذين رحبوا بالاقتراح. وذكر الناقد محمد كمال للاهرام المسائي أنه كان قد تقدم بالاقتراح ذاته إلي الفنان محسن شعلان ووزير الثقافة وانه يأمل أن يجد هذا الاقتراح صد ي في الوزارة, خاصة في ظل الظروف الحالية التي تتهم فيها مصر باهمال افريقيا والابتعاد عنها رغم ان دول القارة تشكل بعدا مهما من ابعاد الحضارة والفن المصري. وهو ما أكده نائب وزير ثقافة نيجيريا ومدير متحفها الوطني واصفا الحضارة المصرية بكونها الحضارة التي أنارت افريقيا وشكلت مهد الثقافة السوداء.