بعد ساعات قليلة من إغلاق مراكز الاقتراع في قيرغيزيا, أعلنت القائمة بأعمال رئيس الدولة السيدة روزا أوتونبايفا أن الشعب وضع نقطة أخيرة في صفحة النظام الديكتاتوري الشمولي السابق بتصويته علي إقرار دستور جديد للبلاد يحولها من النظام الرئاسي إلي النظام البرلماني, ويحد من سلطات الرئيس الذي سيتم انتخابه لفترة رئاسية واحدة مدتها6 سنوات فقط. السيدة أوتونبايفا أعلنت أيضا, وبعد3 ساعات فقط من إغلاق مراكز الاقتراع إن, عمليات التصويت قانونية وأن الاستفتاء نجح وأنها ستظل قائمة بأعمال كل من رئيس الدولة ورئيس الحكومة حتي نهاية عام2011 الي ان تجري انتخابات تشريعية ورئاسية, ما أعتبره المراقبون حماقة سياسية علي خلفية نمط الحكم الآسيوي وطريقة التفكير القبلي في قيرغازي قد تؤدي الي ظهور احتكاكات قومية جديرة, ولكن يبدو أن جميع القوي الدولية وعلي رأسها روسيا والولايات المتحدة أرادت للاستفتاء أن ينجح, وأغمضت عينيها عن تصريحات أوتونبايفا المثيرة, وعن أشياء أخري, أكثر خطورة. لاشك أن الإقبال الذي وصل الي حوالي69% من إجمالي عدد الناخبين المسجل( مليون و700 ألف شخص) كان مؤشرا علي الرغبة العامة في التغيير حتي وإن تدخلت الهندسة السياسية وظهرت بركات محترفي إجراء الانتخابات والاستفتاءات العامة. فقد لاحظنا,أثناء جولاتنا في العاصمة بشكيك وكل من مدينتي أوش وجلال آباد, أن الناخبين كانوا من الشباب وإلي جانبهم رجال الشرطة والقوات المسلحة.وأعاد هذا المظهر الي أذهاننا نفس الصور التي كانت عليها انتخابات الرئاسة التي فاز فيها الرئيس المخلوع كورمانبيك باكييف في العام الماضي زي أن الفوارق ليست كبيرة,كل ماهنالك أن الحكومة المؤقتة التي قامت بخلع الرئيس أعلنت عن مسودة لدستور جديد سيطبق بداية من عام2012 إلا أننا لاحظنا مايشبه الإجماع بين المراقبين علي أن الدستور الجديد بحد ذاته لا يعني أي شيء, ولن يعني في المستقبل, إلا إذا تم تفعيله والالتزام به مع القضاء علي الفساد المستشري في كل قطاعات قيرغيزيا وإنهاء العلاقات القبلية والأسرية التي تعتبر المحرك الأساسي لأي شكل من أشكال الحركتين الاقتصادية والسياسية, ناهيك عن الاجتماعية البعض رأي في إجراءات الحكومة المؤقتة خطوة نحو التغيير! والبعض الآخر حذر من أن الإجراءات الشكلية التي تتخذ غطاء سياسيا برضاء القوي الخارجية قد تؤدي إلي صراعات وصدامات جديدة في دولة فقيرة مليئة بالمشاكل الاقتصادية والعرقية. هذه الرؤية لاقت صداها بعد إغلاق مراكز الاقتراع, حيث تم إعلان حالة الطوارئ مجددا في المناطق الجنوبية بعد أن كانت السيدة أتونبايفا قد أكدت قبل الاستفتاء أنه لاطواريء ولا حظر تجول في هذه المناطق! إن الرفض المتزامن لكل من موسكو وواشنطن بالتدخل في الشئون الداخلية لقيرغيزيا عكس شكلا جديدا لعلاقة روسيا والولايات المتحدة المتصارعين الرئيسيتين وأصلا في هذا البلد. هذا الرفض لم يأت من فراغ فلكل مصالحه وبالتالي جاء الرفض بعد جولات من التحذيرات والمفاوضات ثم الرضاء والاتفاق علي العمل معا. ومع ذلك تبقي كل الأسباب السابقة لنشوب صراعات جديدة في قيرغيزيا. فأوزبكستان المجاورة غير راضية إطلاقا عن أي حكومة قيرغيزية منذ عهد أوسكار أكاييف. ومدينة أوش, التي كانت مسرح الأحداث العرقية, تقطنها أغلبية أوزبكية مايثير المخاوف من إقدام أوزبكستان علي خطوة خطيرة بتأجيج الأحداث العرقية تمهيدا لإعلان أوش دولة مستقلة هناك أيضا وادي فرغانة المكتظ بالسكان والذي يراه الكثيرون بؤرة صراع محتمل. لقد سجلت أوزبكستان القيرغيز الذي يعيشون فيها علي أنهم أوزبيك وبالتالي ليس لهم الحق في المدارس الخاصة أو الحياة الخاصة كقيرغيز. بينما يحتفظ الأوزبيك في قيرغيزيا بهويتهم الأوزبكية وبمدارسهم ومستشفياتهم وجامعاتهم أيضا. من جهة أخري اتضح أن الأسباب الحقيقية للعنف القومي بين القيرغيز والأوزبيك تعود الي صراعات رءوس المافيا الأوزبكية والقيرغيزية في أوش وغيرها من المدن الأخري. وبتزامن هذه الصراعات مع خلع الرئيس باكييف وصراع المصالح بين الأسر والقبائل تمت إحالة كل ذلك علي الأرضية السياسية فكان ما رأيناه طوال أكثر من10 أيام قتل فيها, حسب الإحصائيات الأخيرة,283 شخصا وأصيب أكثر من200 اخرين. وأخيرا تنبهت الأجهزة الأمنية وقوات حرس الحدود الي أن قيرغيزيا تشكل معبرا للمخدرات الأفغانية الي روسيا والدول المجاورة, وأن بعض القوي الدينية تستغل ذلك لتنفيذ مخططات ومؤامرات للسيطرة علي مثلث الخطر علي حدود كل من قيرغيزيا أوزبكستان وطاجيكستان. كل هذه الاكتشافات العظيمة للأجهزة الأمنية كانت معروفة ومتداولة بين الناس العاديين منذ سنوات طويلة, ولكن يبدو أن لا أحد كان بحاجة إليها. إن التجربة القيرغيزية لاتزال في بدايتها فلا مؤشرات حول موقف الحكومة الانتقالية في بشكيك بشأن قاعدتي ماناس الأمريكية وقانت الروسية ولامؤشرات حول الصراعات القبلية الخفية بين5 أو6 أسر أساسية في قيرغيزيا ولاحديث عن تحديث البلاد وانتشالها من مستنقع الفاقة والعوز. الحديث يجري الآن حول نجاح الاستفتاء علي مسودة دستور جديد يحول جمهورية سوفيتية سابقة تتجلي فيها كل علامات نمط الحكم الآسيوي الي جمهورية برلمانية!