أبواب مفتوحة علي مصراعيها, أمن متكاسل, حيث يمكنك التجوال بين الغرف والعيادات المختلفة دون أن تجد من يسألك إلي أين أنت ذاهب؟, أما المقاعد أمام العيادات فهي ممتلئة بالفقراء ومحدودي الدخل من ضعاف القلب القادمين من مختلف المحافظات والقري بحثا عمن يسعفهم وينقذ قلوبهم العليلة إلا أنهم يتجرعون كأس العذاب بداخل معهد القلب ويذوقون الأمرين حتي يتسني لهم مقابلة طبيب يخفف عنهم آلامهم, فتجد البؤس والشقاء يكسو الوجوه بعد رحلة عذاب إجبارية يخوضها هؤلاء الفقراء من أجل البحث عن أسرة رعاية أو دواء للعلاج, فتجدهم واقفين أو منبطحين علي المقاعد من شدة الإرهاق, فهم يقضون ساعات طويلة في انتظار الكشف الطبي لا يشغل بالهم سوي التفكير في كيفية الحصول علي قيمة العلاج أو اقتراضها, فشكوي المواطنين من غياب طاقم الأطباء وقسوة التمريض ونقص المعدات والإهمال لا تنتهي, لتكون المأساة الحقيقية أن تكون نهاية أحدهم الموت نتيجة الإهمال أو عدم وجود المعدات الكافية داخل المعهد بحجة زيادة الضغط عليه من جميع المحافظات, فلا يبقي أمامك سوي أن تبيع أبناءك للحصول علي المال من أجل زن يمن عليك الطبيب الاستشاري بزيارته في عيادته الخاصة, أو أن يكون لديك واسطة تمكنك من الحصول علي أبسط حقوقك في العلاج. حالة من الخوف انتابت مسئولي معهد القلب القومي بمجرد العلم بوجود صحفيين يستطلعون آراء المرضي بشأن الخدمة الصحية المقدمة إليهم بالمعهد, وظهر الارتباك علي وجه مساعد مدير المعهد ومدير العيادة الخارجية بمجرد لقاء مندوب الأهرام المسائي وهو المسئول الوحيد الذي كان متواجدا في هذا الوقت, معللا ذلك بأنه لا يجوز لوسائل الاعلام التسجيل مع المرضي إلا بإذن مسبق وموعد يحدده هو أو أحد المسئولين لاتخاذ الاستعدادات اللازمة. كما كشفت جوله الأهرام المسائي أن إدارة المعهد قامت بزيادة رسوم التذاكر والكشف الطبي والتحاليل علي المواطنين من محدودي الدخل ففي البداية يتوجب علي المريض تسديد مبلغ3 جنيهات مقابل تذكرة كشف و10 جنيهات كشف استشاري علي الرغم من ان الطبيب المتواجد من أطباء الامتياز وليس طبيبا استشاريا, فضلا عن15 جنيها رسم قلب, و70 جنيها موجات صوتية علي القلب, و30 جنيها تحاليل مبدئية, بالاضافة الي10 جنيهات قيمة ايصال استخراج ملف, كل هذه المبالغ قبل البدء في تشخيص حالة المريض او البت في شكواه المرضية, وفي حالة ان المريض بحاجة الي عملية قسطرة يضاف الي ذلك قيمة70 جنيها مقابل تحاليل ما قبل العملية, بالاضافة الي المبالغ المالية التي يتم تحصيلها قبل اجراء العملية. واشتكي بعض المواطنين غير القادرين ماديا من التقارير والاستمارات التي تطلبها إدارة المعهد للبدء في اجراءات إعفائهم من تذاكر الكشف, حيث إن التقرير الطبي25 جنيها, واستمارة اللجنة الثلاثية25 جنيها, بالاضافة الي10 جنيهات مقابل ايصال لجنة ثلاثية, مؤكدين أن هذه التقارير اللازمة غير متواجدة في اي مستشفي حكومي آخر او في المجالس الطبية نفسها. وابدي عدد من المواطنين استياءهم بشأن مجموعة العلميين وهم مجموعة من الاطباء الاستشاريين- علي المعاش- لا تراهم سوي في عياداتهم الخاصة علي الرغم من استمرار صرف مرتباتهم من داخل المعهد, وطالبوا باستغلال مساحة المعهد المهدرة وانشاء عيادات اخري متخصصة مثل الباطنة والكلي خاصة ان مريض القلب حالته الصحية والمادية لا تسمح بانتقاله من مستشفي لآخر طلبا للعلاج. اما خارج ابواب معهد القلب حياة اخري حيث تجد الشارع مزدحما بالمواطنين سواء من المرضي أو ذويهم أو من الباعة الجائلين المنتشرين امام الابواب الرئيسية للمعهد, وعلي الرغم من هذا الزحام إلا ان هناك حالة صمت تام لبعض الافراد فمنهم من يجلس لقراءة بعض الايات القرآنية او يتمتم بمجموعة من الادعية في انتظار قريب له يجري عملية جراحية بالقلب ومنهم من ينتظر دوره في الكشف وسط حالة من الترقب والخوف من مصير قلبه, ولكن سمير فخري, كسر هذا الصمت ليروي معاناة أخيه المريض بمعهد القلب, حيث إنه اتي من محافظة المنيا مع شقيقه الذي يعاني من نوبات قلبية متكررة, وبعد اجراء الفحوصات الطبية اللازمة, قرر الطبيب اجراء عملية قسطرة وتركيب صمامات, وعلي الرغم من ان حالة المريض الصحية كانت لا تسمح بالانتظار إلا انه اضطر الي انتظار دوره لمدة4 أشهر. وعقب عودة المريض لمنزله بعدة أيام- بعد العملية الجراحية- تدهورت حالته الصحية مما اضطر اشقاءه الي العودة به مرة أخري لمعهد القلب, ولكن نظرا لزيادة الضغط علي المعهد من جميع المحافظات انتظر المريض ما يزيد عن20 يوما ظل ينتقل خلالها من مكان لآخر لعدم وجود أسرة رعاية كافية للمرضي, بالاضافة إلي غياب الأطباء الاستشاريين بالمعهد لتشخيص الحالة المرضية, ولذلك لجأ اشقاء المريض إلي الاستعانة بالطبيب الاستشاري المتابع لحالة شقيقه بالمعهد ولكن بعيادته الخاصة حتي يضمن تواجده وذلك إعمالا بنصيحة أحد أفراد الأمن والتي يتخذونها سبوبة للتودد الي الأطباء علي حساب المرضي, إلا انه فوجئ بالطبيب يخبره انه لم يجر العملية الجراحية لشقيقه وليس لديه أيه معلومات عنها نظرا لأنه لا يرتاد المعهد منذ فترة طويلة, إلي ان جاءت الطامة الكبري وهي ان العملية التي اجريت للمريض حدث بها خطأ في تركيب صمامات القلب, بالاضافة الي إصابة المريض بميكروب بالدم نتيجة استخدام ادوات جراحية غير معقمة. وفي السياق ذاته كانت رواية مجدي سيد, حيث انه ظل ينتظر لأكثر من عام كامل علي قوائم الانتظار من أجل اجراء عملية جراحية بالقلب لعدم وجود اطباء استشاريين وأسرة كافية بالمعهد, الي ان انتهي به الحال لإجراء العملية علي يد أحد الاطباء المساعدين, ولكنه فوجئ بعد العملية بإصابته بخلل في وظائف الكلي وتدهور حالته الصحية يوما بعد الاخر. من جانب آخر يبدي محمود عبد الناصر, موظف, استياءه بشأن الخدمة الصحية بالمعهد موضحا ان اخيه توفي بالمعهد منذ عام تقريبا لعدم وجود جهاز تنفس صناعي لإسعافه عقب تعرضه لحادثة بالقرب من مكان المعهد, حيث ان جهاز التنفس المتواجد بالمعهد بدائي( يدوي), مشيرا الي انه ظل يبحث عن طبيب استشاري للاشراف علي حالة اخيه وإسعافه ولكنه لم يجد سوي بعض أطباء الامتياز غير المؤهلين للتعامل مع هذه الحالات الطارئة, واستطرد قائلا: الناس الغلابة مش فارق معاها مين يكشف عليها المهم ياخد دوا في ايده وهو راجع بيته. وقاطعه هيثم محمد, مدرس, معلنا عن شكواه في انه ينتظر منذ الساعة العاشرة صباحا وحتي الساعة الواحدة ظهرا من أجل الوصول لطبيب استشاري بالمعهد يتمكن من تشخيص حالة شقيقته, وذلك بعد اجرائه كافة التحاليل والفحوصات اللازمة إلا انه عندما يحاول الاستفسار عما اصاب شقيقته يجد رد طبيب الامتياز: متقلقش شوية وهنعرف عندها ايه!, وكأنه ينتظر وحي من السماء ليخبره بما اصابها, مضيفا ان تكلفة العلاج في العيادات الخارجية مكلفة جدا وقد تصل الي800 جنيه. ويشير محمد ابوالمجد, محاسب, الي أنه يعاني من بعض المشكلات الصحية بالشريان التاجي ويحتاج الي اجراء عملية جراحية بشكل فوري, لافتا الي ان تكلفة هذه العملية50 ألف جنيه, ونظرا لتدهور أوضاعه المادية لجأ الي ادارة المعهد لإعفائه من دفع جزء من تكلفة العملية إلا ان الادارة اخبرته بضرورة ان يتم عرض حالته علي لجنة ثلاثية لتحديد إمكانية إعفائه من دفع المبلغ بأكمله, وقرار اللجنة يحتاج الي ما يزيد عن3 اشهر, ونظرا لتدني حالته الصحية استعان بواسطة لتمكنه من اجراء العملية بأسرع وقت ممكن, قائلا: أنا دلوقتي مستني يفضي سرير عشان انام عليه بعد ما اعمل العملية. وتوضح نادية كامل, ربة منزل, والتي جلست واضعة يدها علي خدها في انتظار معرفة مصير قلبها, ان طريقة الكشف المتبعة بالمعهد هي طريقة سماعية حيث يستمع الطبيب الي شكوي المريض ومن ثم يقوم بتحديد العلاج المناسب له دون كشف, مشيرة الي انها تنتظر لأكثر من4 ساعات نظرا للازدحام الشديد, قائلة: كل شوية ورقة وكل شوية تذكرة ودفع مبالغ لأشياء ليس لها أهمية. كما روي ربيع جاد مأساته مع غرف المرضي والتي تفتقر للصيانة وتحتاج الي العديد من الاصلاحات خاصة الحمامات والتي وصفها بأنها غير آدمية ولا تصلح للاستخدام مطلقا, خاصة انه يعاني من ذلك عند زيارة شقيقه والتي تجعله غير قادر علي مساعدته في قضاء حاجته, فضلا عن قسوة تعامل طاقم التمريض مع المرضي بعد العمليات الجراحية والتي يكونون حينها أشبه بالموتي فالإهمال هو سيد الموقف, بالاضافة الي تكاسل أفراد الامن عن القيام بدورهم في منع الدخلاء من الوصول للمرضي فيمكن بكل سهولة العبث بالاجهزة والمحاليل الخاصة بكل مريض. وعلي الرغم من وجود بعض المؤشرات التي تدل علي تدني الخدمة الصحية المقدمة للمرضي بمعهد القلب إلا ان هناك بعض الاراء التي تلقي باللوم علي وزارة الصحة في عدم توفير المعدات اللازمة, مطالبين بإنشاء معاهد أخري للقلب بالمحافظات لتخفيف معاناه السفر الي القاهرة, ويوضح عايد فتحي ان اطباء الامتياز بالمعهد يبذلون قصاري جهدهم من اجل تقديم خدمة صحية جيدة للمرضي, قائلا: انا بسافر من المنيا كل يوم من اجل متابعة العملية الجراحية, ومشوار السفر وجع قلبي. وتطالب فاطمة ابراهيم, المسئولين بوزارة الصحة بإنشاء معهد متخصص في امراض القلب بعدة محافظات اخري لتخفيف الضغط علي معهد القلب القومي بالقاهرة ولضمان تقديم افضل مستوي خدمة للمواطنين والقضاء علي أزمة قوائم الانتظار خاصة ان الحالة الصحية لمريض القلب في اغلب الاحيان لا تتحمل الانتظار لفترات طويلة قد تصل الي شهور, فضلا عن ارتفاع تكلفة العيادات ومراكز القلب الخاصة والتي يصعب عليها سدادها. ويتفق معها محمد أحمد, في ان الازمة الاساسية التي يعاني منها هي السفر بشكل مستمر خاصة انه من محافظة دمنهور ويعاني الأمرين اثناء سفره يوميا, قائلا: الضغط كبير علي معهد القلب من كل المحافظات, والاطباء بيحاولوا يساعدوا المرضي علي قدر الامكانات. //////// نائب مدير المعهد يعترف: قوائم الانتظار تصل الى 6 اشهر ونسبة اشغال اسرة الرعاية 100 % أكد الدكتور محمد المراغي, نائب مدير المعهد القومي للقلب بإمبابة, أن قوائم الانتظار بالمعهد وصلت لأكثر من6 أشهر في الفترة الأخيرة بسبب قبول حالات القلب من جميع محافظات الجمهورية. وأضاف لالأهرام المسائي أن نسبة إشغال أسرة الرعاية في المعهد بلغت100% يوميا, موضحا أن المعهد لم يتم التوسع فيه منذ إنشائه في عام1964, مشير الي أن الحل الوحيد لهذه المشكلة هو إنشاء معهد بالوجه القبلي وآخر في الوجه البحري, ولذلك لتخفيف العبء عن المعهد القومي بالقاهرة. ويشير إلي أن المعهد يستقبل يوميا في العيادات الخارجية ما بين1000 إلي1500 حالة, وفي الاستقبال150 حالة وقسم القسطرة40 حالة وعدد العمليات التي تجري يوميا يمكن أن تصل الي12 عملية. //////// الباعة الجائلون: المرضى قرفانين مننا بس ده اكل عيش بوابات معهد القلب الرئيسية محاصرة بعدد من الاكشاك والغرز التي افترشت الارصفة المقابلة له لتقديم الشاي والمشروبات الساخنة لرواد المعهد, فضلا عن انتشار عدد من عربات الكارو امام الابواب, بشكل يعوق دخول المرضي ويتسبب في ازدحام الشارع المواجه للبوابات. بدأ سيد رشاد, أحد الباعة الجائلين, حديثه لمندوب الأهرام المسائي قائلا: لو انت بتعمل موضوع عني انا عارف اني مضايق الناس ومعطل الطريق بس ده اكل عيشي, مطالبا المحافظة والجهات المسئولة بتوفير أسواق خاصة لاحتواء هؤلاء الباعة خاصة انهم لا يريدون سوي مصدر رزق ثابت لهم. ويضيف شحاته محمد, صاحب احد الاكشاك, أنه لجأ الي اختيار هذا المكان لإنشاء كشك خاص به أمام المعهد لخدمة المواطنين المنتظرين بالساعات, خاصة أن اعدادهم تتزايد بشكل ملحوظ يوما تلو الآخر, بالاضافة الي أنه يبحث عن مصدر رزق حلال له ولأسرته, قائلا: انا بنفع واستنفع. وتشير الحاجة زينب, بائعة متجولة, إلي انها سيدة عجوز تبلغ من العمر55 عاما لا تقوي علي العمل وليس لديها مصدر رزق سوي هذه الفرشة التي اتخذت من الرصيف مقرا لها لإعداد الشاي والمشروبات الساخنة لرواد المعهد كأحد أنواع التخفيف من معاناة الانتظار عنهم والتي قد تطول إلي أيام مع الحالات الطارئة والعمليات الجراحية. ////// تاريخ معهد القلب القومى تم إنشاء في عام1964 بقوة75 سريرا فقط لعلاج مرضي القلبوإجراء العمليات الجراحية وكان يضم عناية مركزة جراحة بقوة6 أسرة لرعايةالمرضي بعد العمليات الجراحية, وكذلك عناية مركزة قلب بقوة6 أسرة لرعايةمرضي القلب المترددين علي المعهد, ووفقا لتصريحات المسئولين بالمعهد فإنه لم يتم التوسع فيه منذ إنشائه علي الرغم من أن الاحصائيات تشير إلي أن1.6 مليون مصري يدخلون إلي نادي مرضي القلب سنويا, ويتوفي منهم330 ألف مريض سنويا, وأن200 ألف من تلاميذ المدارس يعانون من حمي روماتيزمية تؤثر علي قلوبهم, و300 ألف مريض يجرون عمليات قسطرة سنويا. رابط دائم :